-->

نوستالجيا الحب- مقال- فاطمة محمد


الحب هو دقة القلب المميزة للمحبوب، الحب من أسمى المشاعر في الحياة، تعددت تعاريف الحب ومفاهيمه ولكن شعوره يبقي واحداً، و دلائله أيضا ... كثيرون أجمعوا علي أن الأمان، الثقة، الدفء، الأنس، السلام أهم الدلائل على الحب ... 
ومع ذلك تختلف مظاهر التعبير عنه من زمن لآخر .. 
فالحب في زمن الجوابات 
مختلف عن زمن التليغراف، زمن الهاتف الأرضي، زمن الهواتف المحمولة، وزمن الأنترنت أيضا.. 
حيث أن في زمن الجوابات كانت علاقة الحب مقتصرة فقط علي المقربين، مثل حب الفتاة لأقاربها أو لابن الجيران أو لصديق أخيها وهكذا فتترك له الجواب على حين غفلة من الأخريين ويرد لها الكتابة بتلك الحيلة أيضا حتي تتطور علاقة الحب بينهما ..
أما زمن التليغراف فالحب فيه يعبر عن شدة الاشتياق ، كانت فرحة وصول تليغراف من الحبيب فرحة تطفئ نار اللهفة لكلام الحبيب، وهناك أيضا حزن انتهاء الكلمات ، فكان يقتصر على كلمات بسيطة للتعبير عن الحب، كما أن الحب في هذا الزمن كان صادق جدا فهو حب نمى في وسط تلك المسافات وفقر اللقاء الذي كان ينخر القلب وتسببت تلك المسافات بالجراح وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات عاش الحب ..
أما زمن الهواتف الأرضية فكان الانفتاح قد أعلن عن قدومه قليلا، حيث كان الحب فيه يعبر المسافات ويعلن عن نفسه من خلال "سماعة هاتف " و " حفظ رقم الحبيب " 
كان التواصل قد أصبح سهلاً وكان لقاء المحبة قد أطفأ نيران الأشتياق ولو قليلا ...
وننتقل لزمن الهواتف المحمولة حيث كانت بدأية الرسائل النصية في الظهور، فكان المحبان يتسابقان علي من يرسل للآخر رسائل أكثر أو من الذي يبادر بالاتصال .. 
أما الآن... في زمن التكنولوجيا والعولمة فقد الحب جزءاً كبيراً من هيبته، أصبح الحب كالخيط ما أن سحبت طرفه حتي وقع بأكمله بين يديك .. فأصبح سهل المنال، فقدَ الكثير من معانيه وخصوصا عنصر الاشتياق الذي كاد أن يختفي  مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح بإمكانك الحديث مع الحبيب في أي وقت، فمتي الاشتياق إذن ؟ 
حتي أنه أصبح بالأمكان أن يحدث الحب بدون مقابلة الحبيب كما أنه بالفعل قامت العديد من الخِطَبْ عبر تلك المواقع، ولكن دقات القلب ما عادت تتزايد عند رؤية الحبيب، ولم يعد هناك فرحة وصول رسائله، كما أنه أصبح من الاستخفاف التعبير عن الحب عن طريق " أدد أو تفاعلات أو أيموجي علي شكل قلب أو قبلة " بمعني أصح فقد الحب سجيته ومشاعره الصادقة فأصبح عادة ...
لاشك أن الحبيب وما يفعله تحت تأثير حبه يذهب العقل ويبقي تحت سحر الحب والمتحكم هو القلب فقط في مختلف الزمان، ولكن اختلفت درجة هذا السحر من زمن لآخر، فأين نحن الآن من مجنون ليلى أو من حبيب ترك كل ما لديه ليكتب القصائد ويبكي علي أنقاض ديار محبوبته، أو من حبيب يقرأ لها تلك القصائد ليلاً نهاراً؛ ليصف درجة حبه لها ، أصبح "الحب الواقعي " هو عنوان الحب في عصرنا الحالي، فالحبيب أصبح ينشغل ويعمل في كل وقت حتي يستطيع أن يوفر " عش الحب " لمحبوبته أكثر من أنه يترك كل شيء خلف ظهره ليصف حبه ...
الآن أصبح الزواج هو شكل مظهري وملئ بالأسئلة الغير منطقية مثل هل العروس ملائمة للمجتمع الذي ولد فيه العريس أو لعاداته وتقاليده ؟ أكثر من كونه مبني على أسس الحب، أصبح من يتزوج لفتاة مختلفه في درجة من جمالها عن مجتمعنا أو مختلفه في طبقتها الاجتماعية تصبح الزيجة ما هي إلا "تريند" لتنقلب مواقع التواصل الاجتماعي رأسا علي عقب من أجلها ..
أين نحن من قول " لا يخلو الحب من بعض معاني الوحي ، ولا تخلو الحبيبة من بعض المادة الملائكية في النفس التي تعشقها ، وهل ملك الوحي إلا قوة المزج السماوي في نفوس الأنبياء ، وهل روح الحبيبة إلا علي قدر من مثل هذه القوة في نفس محبها ؟.... ( مصطفي صادق الرافعي ، السحاب الاحمر )
فالحب في الأساس غير مرتبط بشكل أو مظهر من مظاهر الحياة بل هو أسمى من ذلك وهو نعمة من الله يوهبها لنا لتنير قلوبنا و تروي جوف فؤادنا ..
كلمة قالها الحبيب فأصبحت معلقة بين طيات العقل ، حتي إذا نامت الفتاة حلمت بها ،أما الآن أذا قال الحبيب كلمة أسعدت الفتاة ذهبت راكضة لكي تخبر صديقتها وتتباهي بحبيبها الذي يقول لها من الكلام أعسله غير مهتمة، فأصبحت هنا السعاده فقط في التباهي وليست في الحب ..
حتي في ظل الجفاء والبعد أو الخلاف نجد العتاب نفسه تغيرت ألفاظه من عصر لآخر، فأين نحن الآن من قول الست " لقيت روحي في عز جفاك بفكر فيك وانا ناسي ، أهرب من قلبي أروح علي فين ؟ "
لا يخلو الحب من المشاكل، فحتى الخلاف يختلف من زمن لآخر ، قديماً إن حدث خلاف وتقابل المحبوبان بعده فحدثت نظرة أو لمسة تشعرهم بمصدقية الحب، انتهي الخلاف، أما الأن فالمناقشات تنتهي بإنهاء العلاقة للمرة العاشرة علي التوالي، فأصبح الحب "لقمة سائغة" في فمنا حتي تحول إلي لعبة سهل فيها الهجر والفراق .
وعلي سبيل المثال من أشكال الخلاف في عصرنا الحالي تعدد من يتدخل بين الطرفين في العلاقة وكلٌ يحكم علي العلاقة من الخارج ولا أحد يشعر بما يشعر به الحبيبان، بل كلٌ له رأيه العقلي حتي يضرب بالحب عرض الحائط علي عكس الماضي .
 لا يوجد أصدق من قول أمير الشعراء في قصيدة مضناك 
 " بيني في الحب وبينك ما لا يقدر واشٍ يفسده "
حتي الأغاني والأفلام الرومانسية التي تعبر عن الحب ومن المفترض أن عند رؤيتها أو سماعها تجهش أعيننا بالدموع، وتدق قلوبنا، لم تمش علي وتيرة واحدة، فاختلفت كلياً، اختلفت من صوت أم كلثوم وهي تقول بكل الحب وبكل مشاعرها وبأحساسها وصوتها القوي " يا حبيبي " لصوت فيروز وهو مشتاق في قول " كيفك أنت " لصوت منير مغازلاً وهو يقول " لما النسيم " مروراً بصوت عمرو دياب في قوله " وحشتيني " حتي نصل إلي " عود البطل " هل أصبح ما يعبر عن الحب الآن هو عود البطل ! 
من المعروف أن لكل عصر دنياه ومظاهره وخيره وشره وكذلك مصطلحاته ، مصطلح " الأسترونج اندبنت ومان " شهير جدا في عصرنا الحالي للتعبير علي قوة المرأة وأنها لابد وأن تعتمد علي نفسها في كل الأمور ، هذا كلام صحيح لا غني عنه ولكن ذلك أثر سلباً على علاقة الحب، فأصبحت الفتيات تشعر أن لا حاجة لهن للرجل لأنها بالتاكيد تفعل كل شيء ولكن ليس هذا تعريف الحب فالحب في أساسه شعور بالمشاركة . 
ومن أهم تاثير ذلك المصطلح أن المعظم قد بدل الأدوار قليلا، فأصبح من يقوم بدور الحبيب المضحي ومن يتحمل كل الصعوبات هي الفتاة، ومن ينتظر حتي يصبح الطريق ممهداً هو الرجل . 
علي الرغم من أن قديما، كانت الفتاة هي من يأتي إليها من يطلبها دون أن تتحمل كل الأعباء، كذلك كان الرجال صادقين، أيضا كان الحب يعني زواج أما الآن فأصبح الحب كلمة سهلة جدا،  ولو أصبح زواجاً لتزوج الرجل أكثر من عشرين فتاة في اليوم الواحد إلا نادراً فلكل قاعدة شواذها .
كذلك الانفتاح العصري فتح مجالا لأن نعيش حالة من التخبط، فلا نعلم هل هذا الذي تربطنا بيه علاقة هل هو حب أم مجرد إعجاب أم اعتدنا عليه، وأيضا تخبط لمعرفة أكثر من شخص في وقت واحد وتبدأ المقارنات ، لا أعلم هل لم يعد القلب يدق دقة صادقة فأصبح يهيأ لنا كثيراً ؟! 
أم أن الفراغ العاطفي وما حدث في هذا الجيل هو السبب ؟! 
في النهاية فإن  
 الحُب لا يمكن ان تتعلمه أو تدرسه، الحب يأتي كنعمة .
(جلال الدين الرومي )
TAG

هناك 3 تعليقات

  1. ابدعتي و سحرتينا بكلامتك و اخذتينا بوصفك الي رحلة بين الحقب الزمنية ❤️❤️

    ردحذف
  2. أبدعتي ♥️
    الحب لا يمكن أن تتعلمه أو تدرسه، الحب يأتي كنعمة.

    ردحذف
  3. الله ع جمال كلامك واحساسك ف كل كلمة ربنا يوفقك يااااااااارب 🤭😍😍

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *