على الحدود الفاصلة بين إحدى حقول النخيل ،كان الهواء يداعب خصلات الأوراق لنخلةٍ على تلك الحدود ، وهي تتمايل مع نسمات الهواء بفصل الصيف بعدما نزفت الشمس دمائها فصبغت بها السماء ،حركت جذورها تداعب تلك التربة الرطبة وتنظر إلى تلك الأعشاب المنتشرة بين أشقائها لتجعل الحقل قطعة من الجنة ثم مدت أغصانها تحتضن ثمارها وهي تحرك ناظرها نحو الجانب الآخر من الحد فتجد التربة الصحراوية شديدة القحط ثم نظرت لتلك النخلة بجوارها فتنهدت برفع أغصانها في السماء وقالت :
أيتها النخلة الواهنة ..
فاستدارت لها وكانت غصونها ثقلت عليها فغلبتها الجاذبية فردت عليها بصوت مبحوح :
مرحبا أيتها الجميلة
فتساءلت الجميلة :
لماذا تلك المظلة المائلة التي تعلوكِ؟
فأجابت في ثقة :
إنها من أجل تجميع الأمطار لإعطائها لنا فيما بعد ، هكذا قال لنا المالك .
صمتت تلك النخلة الجميلة لبرهة_ حتى تنهى الأخرى حديثها _وهي تتأمل تلك المظلة الفاخرة التي أعمتها عن قفر وقحط ما تحتها ،فمالت أغصانها تعجباً لما قيل ، ثم قالت :
أليست كل الأمطار تلك من أبسط حقوقكم ؟
فأجابت الواهنة متعجبة لسؤال الأخرى :
أعلم ولكننا نخاف مرارة القطع وأن نحترق ويستفاد منا أيضاً ويأتي بغيرنا يكونوا راضين بأقل مما نأخذه .
ساد الهدوء للحظات ولم تحرك النخلة الهشة ساكناً ، بينما تأملت الأخرى حالها وكانت في شيء من عدم الفهم والتضاد بين جمال المظلة و وما يخرج من جوفها حتى همت بسؤالها مرة آخرى فوجدتها تصدها بقولها :
تمهلي الآن، إن المالك قادم لا يجب أن يسمعنا نتحدث في أمر كهذا
ثم رفعت الهشه صوتها عندمت أقترب المالك قائلة :
اصمتي، نحن نملك ما لا تسطيعون أن تملكوه ، نحن نملك تلك المظلة بفضل مالكنا.
ثم أدارت وجهها وأقترب منها المالك مفتخراً بها و كافئها بقطرة ماء . بينما ظلت الجميلة تتعجب أكثر لفعلتها لكنها كانت تظن أن ما حدث ما هو إلا خوفاً كما أخبرتها من قليل .
وفي اليوم التالي ، أدارت الضعيفة نفسها وقامت بمناداة الجميلة قائلة :
أعتذر عما بدر مني أمس فكما قلت لكِ لا يجب أن يسمعنا نتكلم في تلك المواضيع ،وكان يجب أن اظهر ولائي حتى لا أُقطع تحسباً إن سمع همساً من بعيد بيننا .
فأجابتها الجميلة في تعجب :
-لا عليكِ ، لكن كان هناك سؤال يؤرقني ، هل يعطيكم ماء تلك الأمطار مجدداً مع المياه الجوفية أم مياه الأمطار فقط ؟
ظلت الهشة تفكر وتتعجب من أن لها نصيباً أيضاً من المياه الجوفية ثم أجابت :
بالتاكيد ليس لنا إلا جزءاً من مياه الأمطار وتقدر بألفين قطرة شهرياً ونحن وافقنا على ذلك لأنه قال أن ما تبقى سيستخدم لإصلاح التربة . وقبل أن تسألينني ، لم أر أي إصلاحات إلى الأن.
فظلت الجميلة تنظر بإمعان ثم تساءلت :
كيف ومع تلك الكمية من الماء تُخرجين عرجونا أضخم مما نخرجه
نحن مع أننا نملك ماء وفيرا ؟
فأجابت الهشة في يقين تام :
نحن نسعى بجهد أكبر ليرضى عنا وبالتالي نعيش أكثر ،أعلم أننا قد لا نننال أبسط حقوقنا أحيانا ، ولكن بالتاكيد يوجد اختلاف بيننا وبينكم وبين مالكنا ومالككم .
ثم خفضت صوتها وأكملت
إننا لا نشكو أو بالمعنى الأدق لا نستطيع أن نتمرد ، لكن تأملي تلك المظ...
قطع حديثها صوت أقدام مسرعة خلفها فنظرت سريعاً فوجدتها قطة المالك تهرول بعيداً فعدلت وقفتها وساد سكون الليل .
استيقظت الجميلة في اليوم التالي فأحست بشهوة امتلاك تجاه تلك المظلة فأدرات نفسها وتأملتها جيداً ولم تنتبه لإختفاء النخلة المثمرة ثم قالت في نفسها :
ياله من جمال لا يملكون حق رؤيته ، نحن أجدر به .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق