-->

رصاصة مجهولة المصدر-قصة- فيلاريا جوزيف ‏

                     

   رصاصة مجهولة المصدر

 

وسط هدوء الشوارع و ظلام المساء كان يسير ( د/ مصطفى عبد العزيز ) يملؤه الكسل و الخمول و لا شئ يفكر فيه سوى أن يعود إلى منزله و يلتحف من برد يناير القارس ، أنه الوحيد الذي يسير في مثل هذا الوقت ، فالجميع في منزله تطبيقاً لقرار حظر التجول بعد 5 مساء ، و لكنه يختلف عن الجميع ، وصل إلى الوحدة الصحية اخرج المفتاح من جيبه فتح الباب و جلس على الأريكة يستريح و فور جلوسه ارتفع الغبار منها ، أخذ يسعل  للحظات ،  قام من مكانه و زفر بقوة ، سار الي المكتب و اخذ يرتبه كالعادة فهو ليس الطبيب فحسب بل هو الطبيب و الممرض و عامل نظافة الوحدة ، كم يكره أن يقال عليها وحدة صحية هي أبعد ما يكون هذا ، فلا يوجد فيها سوى بعض الاجهزة عديمة النفع و بعض المسكنات ، شرع في عمل قهوة حتى يذهب عنه النعاس ، و عند انتهائه ، امسك بالفنجال و توجه بالنظر من النافذة ، يتأمل كل شئ حوله بعين الشفقة ، تلك القرية الممتلئة بالخير ، جفت محاصيلها و زبل زرعها الأخضر بسبب قلة الاهتمام ، أخذ الوباء يجري في أنحاء القرية كالفهد الذي يقتنص فريسته ،  كم افتقد صوت ضحكات الأطفال في الشوارع بالرغم من أنها كانت تزعجه بعض الشئ ، اختنق من الكمامة و القفازات و كأنها أصبحت جزء من جسده ، الحالات تأتيه يوميا و العشرات منها يموتون بسبب فقر الخدمات ، حطمت اعصابه و أصبح شبح الموت يخيم على القرية كلها.

بعد عشرة دقائق تقريباً رن هاتفه رد قائلا ً :

ـ الو .

بلهجة صعيدية مألوفة على مسامعه :

ـ الو ، دكتور مصطفى؟

ـ نعم ، كيف يمكنني مساعدتك ؟

ـ انا (هند الغيطاني) ..... هناك اشتباه حالات كورونا في منزلنا.

قال وهو يستعد للنهوض :

ـ العنوان ؟

ـ شارع البساتين المنزل الثالث على اليسار.

ـ في غصون دقائق سأحضر حالا.

ـ شكراً.

 

في منزل كبير مكون من طابقين اصطحبته ( هند ) الي غرفة بالدور العلوي متخذة جميع الإجراءات الوقائية و مرحبة به بشدة كعادة أهالي القرى ،  دلف إلى الغرفة التي بها المصابين فوجد مسن على مشارف السبعينات راقداً على فراشه ، و بجواره شاب في الفراش المجاور له قالت هند و بصوت ضعيف و هي تشير الشاب :

ـ زوجي.

وتابعت و هي تشير للمسن :

ـ ابي.

القلق كان يسيطر على صوتها حاول أن يطمئنها قليلا :

ـ سيكونان بخير ان شاء الله ، اطمئني.

اومأت برأسها و  تركته و غادرت ، أجري لكلاهما مسحة و ظهرت النتيجة إيجابية كما أن تنفسهما ضعيف ، أنهم في حالة متأخرة ، خرج مصطفى من الغرفة و هو يطقطق اصابعه و بدي الأسف على وجهه فوجد هند و امرأة تقف بجوارها عريضة البنية و حادة الملامح و ترتدي العديد من الأساور في يدها ، قالت هند و لا يزال صوتها قلقاً :

ـ هل هما بخير ؟

اومأت بالرفض قائلا :

ـ للأسف كلا الحالتين متأخرين و يحتاجون لجهاز تنفس صناعي بأسرع وقت ممكن.

ابتلع ريقة و قال بحنق :

ـ و في الوحدة الصحية لا يوجد سوي جهاز تنفس واحد فقط.

ردت هند :

ـ نحن على أتم استعداد لتحمل تكلفة شراء جهاز اخر من القاهرة.

 تنهدت :

ـ كل دقيقة تمر تهدد بحياة كلاهما ، و عليكم اختيار أحدهم لانقاذه .

ضربت هند يدها في الحائط بقوة ، قالت الي السيدة التي تجاورها بصوت محشرج :

ـ ماذا سنفعل الآن ؟

نظرت لها المرأة و قد بدي البرود على وجهها :

ـ سنعطي الجهاز لمحمد .

نظرت هند للمرأة بدهشة قائلا :

ـ بالتأكيد تمزحين معي.

ردت المرأة وهي ترمقها باستهزاء :

ـ و من انت لامزح معك ؟

علت نبرة صوت هند قائلا :

ـ أبي رجلا كبير لن يتحمل.

ردت المرأة :

ـ وما شأني  بكل هذا ، الجهاز لابني.

  صاحت هند :

ـ عندما تشرق الشمس من الغرب تفعلين هذا !

نظرت لها المرأة بتحدي :

ـ سأفعل هذا و لكن بموت أخيك .

ـ ماذا تقولين؟!

اقتربت منها اكثر :

ـ الذي سمعتيه ، انسيت ثأر عائلتك القديم ؟! و الذي بسببه تمت تلك الزيجة التي لم ارضى عنها يوما!

ابتلعت هند ريقها و سيل من الدموع تبلل وجنتيها :

ـ أرجوك هذا ابي … اغلي من في حياتي .

قالت المرأة بهدوء و برود أعصاب :

ـ إذن على ابني أن يأخذ بثأره من أخيك.

فتحت باب غرفة من الغرف و خرج منها شاب في العشرينات يتثائب قائلا :

ـ  أمي ، صوتك قد وصل للقرية كلها!

اقترب الشاب منهم قائلا :

ـ ماذا يحدث هنا؟!

تجاهلته المرأة موجهة حديثها حديثها لهند :

ـ ماذا قررتي!؟ اقتل أخاك و أنقذ أبيك ؟

و في تلك اللحظة انطفأت الانوار كلها و سمع الجميع صوت عيار ناري مجهول مصدر مطلقه و مجهول مصدر مصيبه أيضاً.

TAG

عن الكاتب :

هناك 7 تعليقات

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *