كتبت : ريم أبو زيد
"الغجر"
"أجد نفسي حزيناً وحيداً أبحث في الطرقات عن الدرب.. أنا مشرّد في العالم، والدرب دربي أنا، أنا غجري وبشرتي سمراء وأسناني ذهبيّة، أنا المشرد في هذا العالم"
الغجر !!!
الشعب الذي لا يملك أرضًا او هوية ولكنهم صنعوا لأنفسهم اللغة والعادات، أصحاب العيون الملونة والأسنان المصنوعة من الذهب، وكانوا من أسباب الالهام لكثير من الشعراء والادباء.
الغجر أو النوّر هم جماعة اختلف المؤرخون على أصلهم فمنهم من يقول أن أصلهم من الهنود، ومنهم من قال أنهم اخر عشير العرب الأصليين من بني مرّه وحُكم عليهم بالتشرد وألا يركبوا الخيل او يتملكوا الأراضي.
ويمتلك الغجر لغة خاصة بهم تسهل تواصلهم اذا ما كانوا بين الناس لأنها غير مفهومة الا للغجري وتسمى في بعض الأحيان (لغة العصفورة).
ولكن الغجر في معتقداتهم وتراثهم يطنون أن أصل البشرية ثلاث رجال: رجل أسود وهو جد الأفارقة، ورجل أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم من البيض، والأخير هو (كين) جد الغجر الذي قتل شقيقه لذلك عوقب بأن يعيش مشتتا في الارض هو وذريته من بعده.
وتُقدر أعداد الغجر بحوالي ال ٣٠ مليون نسمة حول العالم، وهم طوائف منهم: الكالو، الروما، والدومر وهم القاطنين في البلاد العربية والشرق الأوسط، اعتنق الكثير منهم الديانة الإسلامية وبعضهم المسيحية.
توافدوا على الشرق الأوسط واستطاعوا دخول الدول العربية في القرن الرابع، وسلكوا طريقهم الى جنوب العراق من بلاد فارس(ايران) ومن العراق وصلوا الى بادية الشام.
امتهن الغجر العديد من المهم مثل تربية الماشية وكلاب الصيد، وتميزوا في صناعة السكاكين، وامتهنت فتياتهم الرقص والغناء، فالغجر يمتلكون تراثًا غنائيا وموسيقيًا خاصة بهم، ولا يمكن إنكار فضل غجر اوروبا في اختراع رقصة الفلامنجو وممارستها فتقول الباحثة في تاريخ الغجر إيلينا بيتروفيتش: "إن الموسيقى هي روح الغجر الخلاقة التي يتغلبون فيها على أحزانهم".
يعيشون حياة أشبه بحياة البادية بين تربية الماشية وبيوت الشعر ويمتلكون عيونًا ملونة وأزياءً خاصةً بهم.
الفتاة لديهم لها قيمة استراتيجية فهي مصدر الرزق والعمل فاشتهروا بتعليمهن الرقص والغناء وقراءة الطالع والكف، ومن السهل تمييزهن بسبب ارتدائهن للملابس المزركشة الملونة واستخدام الحلي الكثيرة الرنانة ووضع الاقراط الذهبية الكبيرة التى تعكس الشمس على وجه الغجرية في تمثيلٍ لأهم سمات الجمال الغجري بجانب الشعر الغجري الذي يمتاز بكثافته وتموجتاته ذات الطابع الخاص، واشتهر عن الغجر علاقتهم بأعمال الشعوذة والسحر.
استطاع بعض الغجر استصدار أوراق ثبوتية لهم من الدول التي يقطنونها ولكن البعض الاخر يعيش حتى يومنا هذا بدون أوراق ثبوتية، وذلك ما يعرض شبابهم الى امتهان التسول والسرقة في الكثير من الاحيان، كما انهم مهملون من الخدمات الصحية والتعليمية.
أما بالنسبة لعاداتهم وتقاليدهم فالزواج المبكر هو أشهرها، وتكون موافقة الفتاة بارتدائها للفافة العنق الخاصة بالشاب الذي يختار الفتاة التى سيتقدم لخطبتها لمنحها لفافة عنقه.
والغجري لا يتزوج الا غجرية والعكس صحيح فهم لا يقبلون ويعاقبون كل من يخرج عن تقاليدهم من الغجر، وقد يصل الأمر الى القتل للحفاظ على الأصول والدم الغجري.
المرأة الحامل حسب معتقدات الغجر هي غير طاهرة ويتم عزلها في خيمةٍ منفردة حتى موعد ولادتها وبعد وضعها للطفل بأسبوعين يمكنها أن تعود الى ممارسة حياتها بصورة طبيعية ولا يمكن لوالد الطفل أن يحمله او يراه قبل أن يتم تعميده -حسب الديانة المسيحية-، ولكن تلك العادات تغيرت وأصبح بمقدور المرأة الغجرية الذهاب للمستشفى لولادة طفلها ويستطيع زوجها الذهاب لزيارتهم بعد أن يتأنق بكامل ثوبه.
أما عن موت الغجري فيمتنع الغجر عن الطعام والشراب عند موت أحدهم حتى دفنه، ويتم حرق عربة المتوفي أو بناء خيمةٍ له واحراقها في حالة عدم امتلاكه لعربة، ويبقى الغجر يحرسون الجثمان لثلاثة أيام من الارواح الشريرة في اعتقادهم، ويكون كفن الرجل واسع ليتسع لممتلكاته التى ستدفن معه، أما المرأة فتدفن بكامل ممتلكاتها وزينتها إلا اذا كان لها بنات من أصلٍ ودم غجري نقي ففي تلك الحالة ترث فتياتها.
وكان للغجر علاقة وثيقة بالنازية الألمانية، فكانوا يتعرضون للقتل والتعذيب واستخدامهم في التجارب العلمية والعسكرية.
وعن عام ١٩٤٤م فقد سُمح بقتل الغجر في ألمانيا، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية كان قد تم القضاء على ١٥ ألف غجري من أصل ٢٠ ألف يعيشون في ألمانيا، وقد اعتبر المؤرخون ما حدث أكبر واقسى الإبادات العرقية التى حدثت حينها.
وفي نهاية مقالي عزيزي القارئ... فالغجر شعب يمتلك ثقافته وعادته الخاصة، وطالما انهم لا يسببون المشاكل للمجتمع فهم مُتقبلون ويجب شملهم من ناحية الخدمات الصحية والتعليمية واستصدار الهويات القومية لهم، ومساعدتهم على الانخراط في المجتمع بصورة مفيدة تمكنهم من الحياة الكريمة.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق