روح مفقودة : سلمى فويلة
ندى العُمر يناير 13, 2022 0
بسبب نظرات مديرة الدار إليها: عمو سالم بيعمل فينا حاجات وحشة كل يوم يا أبله .
هبت المديرة من على مكتبها واتجهت ناحية آسيا قامت بصفعها صفعة قوية حركت آسيا من
مكانها لتسقط على الارض . ثم صاحت بها :اخرسي عم سالم ايه ده اللى يبص لعيال زيكم
!! أكبر واحدة فيكم معدتش الخمستاشر سنة انتي بتتبلي على الراجل يا حيوانة أنا
هعرفك إزاي تكدبي و تفتري على الناس . نادت مديره الدار على المشرفة عفاف ثم قالت :
عفاف، البنت دى ممنوعة من الأكل لمدة أربع أيام و تخليها تنضف حمامات الدار كلها و
تنضف أوضة عم سالم من أولها لآخرها وكل يوم . تحركت آسيا مع عفاف التي كانت ممكسة
بها بعنف شديد وكأنها تجر ماشية مقيدة بالحبال حتى وصلت لمرحاض الفتيات وأعطتها
الممسحة و أدوات التنظيف لتبدأ فى عملها ، انهت آسيا مهامها في المرحاض و اتجهت
ناحية المشرفة عفاف قائلة : ماما عفاف انا خلصت الحمامات، بس ونبى عشان خاطر ربنا
متخلنيش أعمل أوضة عم سالم . كانت عفاف منهكمة فى التهام طبق الكشري الذي أمامها
حتى أنها لم تعير نظرها لآسيا وقالت بامتعاض : بت إنتي، مش عايزة لماضة، هتعملي
الأوضة زى ما مدام كوثر قالت مش عايزة كتر كلام يلا اجري روحي شوفي شغلك . شعرت
آسيا حينها أنه لا يوجد هناك مهرب من مصيرها الذى ينتظرها، كل خطوة كانت تخطيها
يتلاشى جزء من روحها وكأن هناك من يقودها لعشماوي نائب عزرائيل، فتمامًا كان عدم
تصديق مدام كوثر لها و عدم اهتمام أبلة عفاف لترجيها هما اللذان يقودنها لمصيرها
حتى وصلت إلى غرفة العم سالم و طرقت باب الغرفة، ففتح لها قائلًا : اهلا يا آسيا.
عايزة حاجة؟ ردت آسيا وهى تنظر إلى الأرض : أبلة كوثر قالتلي أنضف أوضتك. ابتسم
العم سالم إبتسامة نابعة من الجحيم و اتسعت حدقة عينيه و فتح الباب على مصراعيه
لدخول آسيا وقال في خبث : اتفضلي اتفضلي، هي محتاجة تتنضف فعلًا . شعرت آسيا عند
لحظة دخولها لغرفة العم سالم أنها دخلت الجحيم بنفسها، وها هي تنتظر مصيرها فقد
كانت كل خطوة وكل حركة يصاحبها خوف ظاهر على رعشة يديها و عينيها اللتان كانتا
تائهتين هنا وهناك لأجل مراقبة ذلك الرجل، حذرة من أن يقترب منها ، و كان العم سالم
جالسًا على كرسي خشبي متفحصًا لآسيا و مدققًا فى كل حركة لها قائلًا : والله وكبرتي
و احلويتي يا بت يا آسيا، أنا لسة فاكر اليوم اللي لاقيتك فيه على باب الدار كنتي
حتة لحمة حمرا مرمية قدام الباب و معاكي ورقة فيها اسمك، وكان صوت عياطك جايب آخر
الدار. كانت آسيا تستمع إليه وهي تنظف الغرفة في عجلة حتى تتخلص من ذلك الكابوس
منتظرة لحظة خروجها من هذا الباب ، ترك العم سالم مكانه وتحرك ناحيتها فزعت آسيا
وحاولت ان تدارى خوفها ، اقترب العم سالم أكثر فأكتر منها و بدأ في التماس خصلات
شعرها البني فابتعدت عنه آسيا وقالت في خوف : اااا..انا خ خ ..خلصت، لازم امشي.
امسكها العم سالم من ذراعها الأيسر بقوة و جذبها إليه في عنف . - لأ انتي لسة
مخلصتيش الأوضة لسة زى ما هي . حاولت آسيا التخلص من قبضة يده فأمسكها بقوة أكثر ،
صرخت آسيا و قبل ان تكمل صرختها وضع يده على فهما كاتمًا لصوت الطفلة المستغيثة من
يد ذلك الوحش وارتفعت أرجل آسيا من على الارض حاملها بين أحضانه التى تشبه قيودًا
مصنوعة من الحديد و فعل بها ما يفعله كل ليلة مع كل فتاة في ذلك الدار لم تستطع
آسيا النجاة من بين يده، حتى انتهى من غرز أذاه في جسدها و تشويه ذكرياتها ، كانت
آسيا صامتة غير مصدقة أنه جاء الدور عليها لتلك المشنقة وها هى قد شنقت و تركت
روحها و جسدها وانتهت طفولتها لتبدأ عالمًا مليءً بالخوف و الضياع ، خرجت آسيا من
غرفة العم سالم في خطى بطيئة متذكرة كل لمسات العم السالم المصاحبة بشوك زرعه فى
جسدها، شعرت وكأنها هي المخطئة لانها امتلكت ذلك الجسد الذى أصبح خاليًا من الروح،
وتعالت الأصوات بداخل رأسها قائلةً : ( لم تركتيه يفعل بكِ ذلك؟ لِمَ لمْ تحاولي
الفرار منه مرارًا وتكرارًا ؟ ) حتى صادفت مديرة الدار وهي في طريقها للعنبر . - ها
يا زفتة، عملتي اللي قولتلك عليه؟ رفعت آسيا رأسها إلى أعلى لتنظر لمدام كوثر و ردت
عليها بصوت خافت : أيوا يا أبله كوثر كل اللى عايزاه حصل . - طب يلا غورى من وشي
وملكيش أكل بردو . كانت صديقة آسيا المقربه إليها ( شفق ) تقف بعيدًا تشاهد حديث
مدام كوثر وآسيا وبعد رحيل مدام كوثر من أمام آسيا هرولت شفق إلى آسيا التي
احتضنتها وهنا خرجت آسيا عن صمتها و تعالى صوت نحبيها و بكائها المصحوب بصياح،
حاملًا بشعور القهر و الضعف استمرت آسيا فى بكائها لمدة لا تقل عن نصف ساعة داخل
أحضان شفق حتى تعبت من بكائها وعادت إلى هدوئها من جديد . قالت شفق في هدوء :
متزعليش يا آسيا، أنا مش عارفة انتي بتعيطي ليه، هما أصلًا أكلهم وحش بس أنا هعينلك
من الأكل بتاعى متخافيش و بعدين إنتي شعرك بايظ كده ليه؟ تعالي أعملك الضفيرة اللي
بتحبيها . ********** أخرج آسيا من دوامة ذكرياتها ضوء مصباح سيارة انعكس على
الزجاج الذى تقف أمامه ، تنهدت بصوت عالي والتفت إلى جثة السيد حسام الطنطاوي مدير
المصحة النفسية و ظلت تتأمل ملامحه متذكرة مشهد قتل صديقتها المقربة. الله يخربيتك
يا سالم، البت ماتت، ايه اللي إنت هببته ده؟ رد عليها سالم مرتبًا لملابسه التي
يرتديها : معرفش ايه اللى حصلها يا أبلة كوثر أنا بعد اللى بعمله كل ليلة مع أي بنت
هنا فى الدار لاقيتها مبتحطش منطق . نظرت إليه مدام كوثر و وجهها عبارة عن جمرة نار
وقالت بغضب : موتها يا غبي مكفكش البنات المراهقين اللي فى دار سيباك تعمل ما بدالك
فيهم كمان روحت لعيلة لسة متمتش العشر سنين، الله يخربيتك . - ما خلاص بقى يا مدام
اعتبريها واحده من اللي إنتي بتبعيهم للبهوات بتوعك و يا عالم بيعملوا فيهم إيه، و
إنتي مكنتيش سيباني أعمل اللي أنا عاوزه لأجل عيوني، السود ده عشان خاطر تشتري
سكوتي عن البلاوي اللي بتعمليها في البنات دول . وضعت مدام كوثر يداها على فمه
قائلة : ششششش ...خلاص اخرس هتفضحنا شوفلنا صرفة فى المصيبة دي . اخرج سالم علبة
التبغ من جيبه و تملك البرود من ملامح وجهه . - هندفنها على الطريق الصحراوي، لا من
شاف ولا من دري . كانت آسيا واقفه تشاهد ذلك المشهد المأسوي لنهاية صديقة عمرها
التي كانت معاها منذ نعومة أظافرهم ... فهي الآن تشاهدها جثة هامدة شاحبة الوجه
مجردة من ملابسها ساقطة من يدها دميتها المفضلة، لم تستطيع آسيا أن تصرخ أو تتكلم
حتى لا تكون نهايتها مثل نهاية صديقتها . أفاقت آسيا من ذلك الكابوس وأطاحت بقدمها
جثة عبد المجيد و جثة حكيم الممرضان اللذان يعملان بالمصحة ثم عادت إلى المكتب و
أمسكت بالقلم مرة ثانية لتخرج ما برأسها داخل الورقة قائلةً : ( تربيت فى دار
الرحمة والذي لم أجد به أي نوع من أنواع الرحمة، ما وجدته هو انتهاك لأجسادنا و
تمزيق أرواحنا و بيعنا كسلعة لا تعرف إلى أين سينتهى بها مصيرها ، أما أنا بعد مقتل
شفق صديقة طفولتي أمام عيني حاولت أن أجمع ما تبقى مني طوال مدة بقائي في الدار و
حاولت أن أتعايش مع الواقع وخاصة بعد تخلص مدام كوثر من العم سالم لأنها خشيت أن
يفضح سرها ، أما عن آسيا الآن فما زالت تنال نصيبها من اسمها لم أجد إلا القسوة و
الآلام في حياتي حتى عند مجيئي إلى هنا كان شيء يحدثني بداخلي أن هنا ستكتب النهاية
) تركت القلم من يدها و عادت بظهرها إلى الخلف نظرت إلى صورة الطبيب حسام مدير
المصحة وتذكرت لحظة مجيئها إلى المصحة . - اتمنى تحبى الشغل معانا يا آسيا . إجابته
آسيا فى لهفة وفرحة كبيره . - أكيد يا دكتور حسام أنا بحب شغلى جدا كممرضة وهحبه
أكتر بوجودي هنا . لقد رأت في عينيه نظرة لم تنساها طيلة طفولتها .. نظرة أعادت
إحياء أكبر مخاوفها، رأت أعين العم سالم من جديد تتجسد أمامها ولكن الآن فى هيئه
شاب يبدو أنه على عكس العم سالم، فالطبيب حسام كان مثقفًا و متعلمًا ولكن هو أيضًا
كان مجردًا من معاني الإنسانية . أخرجها من ذكراها صوت الرعد الذى ضرب الأرض، و
هطول الأمطار بشدة و عادت لتكتب . ( كنت أعلم أني سأجد أمثال للعم سالم كثيرة فى
حياتي فمثلًا حاول الطبيب حسام التعدي علي مرارًا وتكرارًا ولكن كنت أنقذ نفسي
بنفسي لا ألجأ لأحد، لأن باقي الرجال هنا مثله تمامًا، ينتهكون أعراض المرضى بدون
رحمة غير مهتمين أن يكونوا أول او آخر من يفعلوا ذلك، أتذكر يومًا عندما رأيت حكيم
ينتهك عرض إحدى الفتيات مستغليًا تخدريها بالأقراص المهدئة للأعصاب ،و عبد المجيد
لا يختلف عنه كثيرًا لا أستطيع أن أنسى تلك المريضة التي ترجت والدتها أن ترحمها من
هذا الجحيم وتخرجها من هذه المصحة ولكن قابلتها الأم برد بارد "يا حبيبتى انتي أكيد
بيتهألك، انتي عندك فصام وأكيد ده مسبللك هلاوس " و صدق الطبيب حسام على كلام الأم
وأنها على حق، فكل ما تراه ابنتها ماهو إلا هلاوس و ضلالات ، تذكرت حينها عندما
لجأت لرأس الشيطان مدام كوثر وقابلت استغاثتي بسكين غير مشحوذ ذبحتني ببطئ شديد
مثلما فعلت هذه الأم التي تركت ابنتها كمتاع يتلذذ به هولاء الأوغاد ، وبدلًا من أن
يكونوا سببا فى شفاء وتعافي المرضى بل إنهم يضيفون ندوبًا أكثر من الألم لا تحصى،
يستمتعون برسم العديد من التشوهات النفسية لديهم، حاولت إنقاذهم و ذهبت للطبيب حسام
لأخبره عما يفعله الممرضين مع المرضى ، ولكن فى حقيقة الأمر لم اتفاجئ برد فعله،
لقد هددني أنه سيفصلني من العمل و سيمحو اسمي من نقابة العمل إذا علم أحد بما يحدث
بداخل المصحة، فهمت لحظتها أن أمثال مدام كوثر و العم سالم لن ينتهوا ابدًا إلى أن
قررت أنا أن أبيد كل هذه الندوب و أن أنقذ هولاء الأبرياء من أيدى هولاء الوحوش )
*******
نظرت آسيا إلى الجثث الثلاث الملقى بهم على الأرض و تسيل الدماء من فم كل
منهم، و على أجسداهم بقايا دماء متذكرة ما حدث منذ ساعات قليلة . - إيه ده يا آسيا
تورتة مرة واحدة؟ تبسمت آسيا للطبيب حسام قائلةً : اه طبعًا يا دكتور دي حاجة بسيطة
معبرة عن امتناني لوجودي معاكم، و لو سمحت استدعي عبد المجيد وحكيم لأن انا إديت
لزملائي التورتة بتاعتهم و جيبالكوا التورتة دي ليكم مخصوص . ضحك الطبيب حسام و
تحرك ناحية آسيا و سار بيده على ذراعها الايمن محدثًا لها : شوفتي بقى لما تسمعي
الكلام بتبقي حلوة إزاي و الأمور بتبقى أحلى، انا هناديلك حكيم وعبد المجيد ولو
يعنى كان الود ودي آكل تورته كلها لوحدي . نادى الطبيب على الممرضين ، دخل حكيم
أولاً ثم عبد المجيد. - خير يا دكتور حضرتك طلبتنا . قالها عبد المجيد و هو ينظر
إلى آسيا . - آسيا يا سيدى جيبالنا تورتة احتفالًا إنها بقت واحدة مننا خلاص
اتفضلوا كلوا . امسك حكيم بالطبق وهو مبتسم وقال : فيكي الخير يا آسيا مع إن يعني
قلبي كان بيقولي مش هيجي من وراكي خير . قام عبد المجيد بنغزه فى كتفه ليكف عن هذا
الكلام فلاحظت آسيا وقالت : سيبه يا عبد المجيد يقول اللي فى نفسه عشان نبدأ على
صفحه بيضا . قاطعهم الطبيب وهو ينزل آخر معلقه له من قطعة الحلوى ورد : انتوا
هتقعدوا تتسايروا كتير يلا كل واحد... بدأ الطبيب حسام فى السعال مرارًا وتكرارًا
ويليه عبد المجيد ويليهم حكيم ، ثم نظر عبد المجيد لآسيا . - ال ...البتاعة دى فيها
إيه؟؟ ضحكت آسيا بصوت عالٍ و رجعت بظهرها إلى الخلف و وضعت قدمًا على الأخرى
قائلةً: هيكون فيها إيه يعني؟ .. فيها سم زي اللي بتدوقه للمرضى كل يوم . حاول أن
يمسك بها الطبيب حسام ولكنها هبت واقفة من مكانها و بعدت عنه بمسافة كبيرة فحاول أن
يتغاضى عن ألم معدته و دورانه و السعال الذي كان يحمل معه كتلًا من الدماء ولكنه
فشل حتى سقط على الأرض و يليه عبد المجيد وحكيم وحالتهم لا تختلف كثيرًا عن حالة
الطبيب ، تأكدت آسيا انهم فقدوا الوعى وليسوا موتى فمازال هناك بعض الوقت للإنتقام
الأخير والجزء المفضل لديها ، قامت بتشغيل الموسيقى ثم أحضرت سكينًا و جردت الطبيب
من ملابسه و ظلت تتحرك بالسكين على جسده دون أن تجرحه وكأنها ترسم لوحة فنيه بفرشاة
رسم حتى وصلت إلى مقصدها فقامت بقطع العضو الذكرى لديه وفصلته عن جسده تماما و كررت
الأمر لدى عبد المجيد وحكيم حينها و لأول مره تشعر بلذة الإنتصار وأنها قد حققت
العدالة و ثأرت لكل النساء اللاتي اعتدى عليهن في المصحة وخارجها و حملت أعضائهم
بين يدها وألقت بيهم فى المدفأة النارية التي توجد فى المكتب و ظلت تنظر إلى النار
وهى تأكل هذا الجزء المحرك للرجال الذى يحولهم من بشر إلى حيوانات في لحظات قليلة،
و نظرت إلى ساعة الحائط و ابتسمت عندما تأكدت أن السم الذى وضعته فى قطعة الحلوى قد
أدى دوره على أكمل وجهه و أن أرواحهم الآن قد سلبها منهم ملاك الموت .
*********
أفاقت آسيا من تذكرها لمشهد إنتصارها و سردت كلماتها الأخيره : ( أنا من قتلت هولاء
الرجال، أقصد اشباه الرجال ، أنا غير نادمة عما فعلت وإن عاد بي الزمن لفعلت ما
فعلته في العم سالم وقتلت هذا الخوف الذي خلقه بداخلي منذ طفولتي ، سلبت مني الحياة
طفولتي بسبب أوغاد كل ما يفكرون به هو إرضاء شهواتهم ... أنا لا أعلم كيف لا يوجد
هناك قانون يحكم على المتحرش و المغتصب بالإعدام شنقًا فى ميدان عام حتى يكون عبرة
لغيره، و لكن أنا الآن جعلت هولاء الرجال عبرة لغيرهم و أنهم مثلما ساهموا في خروج
الجانب الأسود من آسيا سيكون هناك الكثير من رجال سببا فى خروج العديد من أمثال
آسيا إنتقامًا منهم ، ها أنا الآن أرفض بقائى وسط هذا الجحيم، أرفض استمراري فى
السعي لإصلاح هذا الدمار، أعلن استسلامى بعد أن شعرت بلذة الانتصار، أعلن تخلي عن
حياتي بعد أن أتممت رسالتي الأولى والأخيرة وهي الإنتقام من كل متحرش ومغتصب، لو
أستطيع أن أضعهم في محرقة جماعية لفعلتها، ولو كنت قادرة على أن أجمعهم فى مكان
واحد وأقوم بذبحهم مثلمًا فعل محمد علي مع المماليك لفعلتها ، أوجهه كلماتي الأخيرة
لمن يقرأ هذا الخطاب ، حاول العيش وسط الجحيم وأنت إنسان مازال يحمل معاني
الإنسانية وإن فشلت استسلم ولا تقلق لن تذهب إلى الجحيم، فجحيم الآخره فارغ ، لأن
جميعهم هنا فى جحيم الدنيا ) رتبت آسيا أوراق خطابها وتركته على المكتب الذى أمامها
، ثم تنهدت و أوقفت مشغل الموسيقى وأخرجت مسدسًا من إحدى أدراج المكتب و وجهته إلى
رأسها وبعد أقل من ثلاث ثوان تناثرت قطرات الدماء المصحوبة ببقايا المخ على الزجاج
من خلفها ..
بين نسمات الهواء الباردة ، الجميع مهرول هنا وهناك بأحدى الطرق ليحتموا من مياه
المطر و تتجه خطواهم إلى مقصدها على ضوء مصابيح السيارات ، و فى نهاية الطريق مبنى
كبير أطلق عليه المصحة النفسية للتأهيل النفسي للسيدات ، جلست آسيا على مكتب المدير
العام للمصحة على ضوء المصباح الصغير الذى أنار فقط الأوراق التى أمامها أما عن
باقي الغرفة فكانت غارقة في ظلام ، امسكت آسيا بمنديل ورقي و قامت بمسح يداها
الملطخه بالدماء و سحبت لفافة من التبغ من الصندوق الصغير الذى أمامها على المكتب و
أمسكت بالقداحة التي كانت بجانب ذلك الصندوق واشعلت لفافة التبغ ثم أمسكت الورقة
البيضاء التي أمامها، تبسمت بملامح باردة و سالت دموعها على خديها ثم أمسكت القلم و
بدأت فى سردها الاول : ( منذ لحظتى الأولى هنا بالمصحة كنت أعلم أنها لم تكن بداية
مبشرة كنت أعلم أن هذا المكان سيشهد على نهاية مأساوية لا أعلم إن كانت نهايتى أم
نهاية أكتبها أنا بقلمي ، لمن سيقرأ هذا الخطاب أتمنى ألا تراني رأس الشيطان أريدك
فقط أن تعلم أن العالم بالخارج سئ بل أنه متوحش و كأن بنى آدم طمعوا فى قانون
الغابة وأصروا أن يسلبوا من الحيوانات سماتهم ويتخلوا عن سمات البشر، الجميع مدنس
أنهم فاشلون في تعمير الأرض و لكنهم ناجحون وبجدارة بتدمير الحياة و أي شئ به ملامح
الإنسانية ، أما هنا بداخل هذا المكان بقايا البشر، من لم يستطيعوا أن يتأقلموا مع
ذلك القانون المستجد .. هنا ليس المرضى النفسيين ولا المجاذيب كما أطلق عليهم
السفهاء هنا الفضلاء الذين رفضوا بقائهم وسط هذا الجحيم ، صدقنى إذا مازال بداخلك
ذرة إنسانية تمسك بها حتى أن وصل بك الأمر أن يطلقوا عليك لقب المجذوب و المختل، كن
مختلًا أفضل من تكون إنسانًا قد تجردت من كل معانى الإنسانية ) تركت القلم من يدها
وتحركت ناحية النافذة التي ترتسم عليها قطرات المطر و أخذها شرودها إلى دوامه
ذكرياتها . متذكرة تلك الليالي التي تركت ندوبًا لا يقدر أن يمحيها الزمن ... تذكرت
عندما كانت تنام وسط إخواتها الذي زاد عددهم عن عشرين فتاة في مثل هذه الليالي
الممطرة فتسمع صوت خطوات أرجل داخل عنبر الفتيات تسير بخطى حاذرة متجهًا لفريسة هذا
اليوم كان حارس الدار ، تراقبه آسيا وهى مدعية النوم حتى يصل لغرضه و يزيح عن
فريسته غطائها لينهش عرضها دون رحمة ولكن لا ينهشه بأكمله، يترك بقاياه حتى لا يكون
المذنب الأول والأخير لهتك أعراض تلك الفتيات ، هذا المشهد يتكرر امام أعين آسيا كل
يوم ولا تستطيع الفتيات أن يصرخن إعتراضًا عما يصيبهم من أذى جسدي ونفسي و عندما
قررت آسيا ان تخرج عن صمتها و ذهبت لمديرة الدار ملاذها الأخير محاولة إنقاذ نفسها
هي و من حولها :انتي بتخرفي تقولي ايه ؟ ابتعلت آسيا ريقها و كانت ترتعش من الخوف
TAG
# قصص نوفيستوري
# قصص نوفيستوري
قصص نوفيستوري
قصص نوفيستوري
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق