" الكتابة شكل من أشكال الصلاة "
هكذا عبر " كافكا " عما تمثله الكتابة له في إحدى رسائله إلى معشوقته " ميلينيا "، قد يتخذ البعض مقولته كتفخيمًا أو مبالغة في التعبير عن عظمة الكتابة بالنسبة لكافكا، ولكنه لم يترك مجالا لذلك التخمين، بل استفاض في وصفه وتأكيده على أن للكتابة قدسية كقدسية الصلاة، المدهش في الأمر أن كل من اتخذ القلم خليلا لم يعارض كافكا بل وصفها غيره بالتصوف وآخر بدرب من دروب الإيمان، فيما اعتبرها "جون كوين" قوة ذهنية خارقة تضاهي قوة الشيطان ذاته في إملاء الأفعال على البشر، أما "فورستر" فقد اتخذ كلمة " وحي " كوسيلة رئيسية للتعبير عنها، فهل حقًا للكتابة قدسية أو سر يجهله من لم يذقه، ويفشل من ذاقه في وصفه؟!
" ثلاث عيون أو أكثر"
اتفق معظم الروائيين والنقاد أن للكتابة شرطًا تُحتمه على مُنتهجها، ألا وهو امتلاك ثلاث عيون على الأقل.
* الأولى عين القارئ...يقرأ بها الكاتب سطوره أثناء كتابته لها - أولا بأول بصوتٕ جهوري - ويتذوقها بعقل قارئ ممتعض.
* الثانية عين ناقدة يقرأ بها عمله بعد انتهائه منه، تسخر ما في جعبته من معلومات عن تقنيات الكتابة المختلفة لينقد بها ذاته نقدًا لاذعًا لا هوادة فيه أو رحمة.
* أما الثالثة وأهمهم على الإطلاق هي عين الكاتب، تسبق عملية البدأ بالمشروع الكتابي، فمثلا يرى "لورنس بروك" أن عين الكاتب لابد أن تختلف عن أعين العامة فتعمل كآلة تحول كل ما تقع عليه عيناه إلى جملٍ وعباراتٍ سردية متتابعة، بل يمتد الأمر إلى أكثر من ذلك، فالكاتب الحق وما أن يسترق السمع إلى مشاجرة تدور بين سائق سيارة الأجرة وزوجته عبر الهاتف حتى يطلق العنان لخياله متخيلا أسباب المشاجرة، نتائجها، حياة السائق بل وتندفع التخيلات كسلاحٍ آلي متعددة طلقاته متسائلا هل يخونها مثلا؟
أم تخونه هي؟ كل ذلك فقط إثر موقف عابر تعتبره العامة مألوفًا أما الكاتب فيغتنمه كفرصة للتخيل عله يأتي بشرارة لعملٍ جديد.
" الشيطان يكمن في التفاصيل، وكذلك الإبداع"
لا أتذكر أين قرأت تلك الجملة العبقرية، ولو أني وجدت قائلها لصفقت له حتى تورمت يداي، فالتفاصيل الصغيرة وصفة لا غنى عنها لكل من يطرق أبواب الكتابة لاسيما السردية منها، تلك التفاصيل الصغيرة هي الفاصلة بين الحكاية والسرد، فكل ابن آدم حكاء أما السرد فيلزمه تتابع والتتابع يُلزم الكاتب بتفاصيل صغيرة تنقل السرد من حدثٍ لآخر، وهنا يفرض سؤال مُلح ذاته، كيف لإنسان أن يسرد أدق تفاصيل أحداث لم يعشها؟
ستجد الإجابة بالتأكيد هي خيال الكاتب وعينه.
الكتابة سهلة أم صعبة؟
" الكتابة كخلع الأسنان أثناء ممارسة الحب، مزيج من المتعة والألم"
كان هذا رد الكاتبة " نانسي كريس " عند سؤالها عن مدى صعوبة مهنة الكتابة، ووافق على مقولتها الكثير من أباطرة الكتابة، إيزابيل الليندي مثلا تراها مثل الشعوذة فلا يكفيك إخراج أرنب من القبعة، بل عليك فعل ذلك بطريقة أنيقة أيضًا.
الغريب أن برغم كل تلك المعاناة والقدسية التي وُصفت بها الكتابة، إلا أننا - وتحديدًا في تلك الحقبة من عُمر الأدب المصري- نجد من يعتبرها مجرد سكب كلمات على سطور خاوية أو كما نصفها بالعامية المصرية " سلق بيض"، فيطل علينا من يحتفل بالانتهاء من كتابة روايته خلال شهر وغيره من يقحم عاميتنا في سرده بل من يتجاهل السرد تمامًا ويكتفي بعمل متكون من جمل حوارية من رأسه حتى ذيله، والأخير هذا قد أتقبل عمله إذما أطلق على عمله أي لقب دون " الرواية والقصة"،
فلا تأمل في تفاصيل الكون، ولا عين لكاتب ولا أنف
عمومًا يبقى الحكم أولا وأخيرًا للقارئ، وهذه السطور ما هي إلا نقلا لأراء كُتاب عمالقة...وتظل العُهدة على الراوي
مقال جميل فعلاً ويضع الكتابة في موضعها الصحيح، هي مرتقاً صعباً، تحتاج لإمتلاك عدد من الأدوات كما تفضلت يا أستاذ أحمد، مشكور على الجهد يا أستاذى.
ردحذفأسعدنا مرورك وتعليقك
حذف🌸🌸🌸
جميل جدا
ردحذفأسعدنا مرورك 🌸🌸❤️❤️
حذفحرفيًا لم أجد ما اقولة لوصف الشعور الذي انتابني عند قراءة لسطور الكاتب أحمد الطوبجي إلا الجمال والرقي في انسيابية الكتابة وخلطت كل جزء بالآخر كالمحترف
ردحذفمُبدع 🤍🤍🤍🤍🤍👌
أسعدنا مرورك🌸🌸❤️❤️
حذفمقال رائع ويعبر عما يحدث مع الكاتب بالفعل وعينه التي أصبحت لا تألف أي شئ ك (سلق البيض) أصبح متطلباً كقارئ ومتطلباً أكثر ككاتب
ردحذفبالفعل، للأسف الشديد 😔
حذفأسعدنا مرورك🌸❤️
المقال اكثر من رائع وفعلا مفيد جدا
ردحذفأسعدنا مرورك❤️🌸
حذفبجد تحفة🤍🤍🤍🤍🤍🤍
ردحذف