-->

موت وطن- قصة- كامل عبدالله كامل


موت وطن                                       

بعد أن صلى "وحيد" ركعتا الفجر ، تناول مصحفاً ينام على التسريحة المجاورة، وكان أن أول ما وقعت عيناه على :
ألم تكن أرض الله واسعة؟
حاول إيقاظ  " أحلام" لأداء الفريضة، تردد بعد أن لامس بأنامله نعومة وجنتيها، فأجابته بنصف إغماضة تعلقت ببقايا وسن كسول، تركها لتغط في نومها العميق، فالأرق بات قاسماً مشتركاً يحيط بحياتهما منذ أن سرّحته إحدى الشركات العاملة في البترول، تقدم بعدها للعديد من الوظائف، كانت أمانيه ترجع كلها خالية الوفاض، فارغة من كل دفقة أمل، أو حتى طيف أماني عابرة.
تناول هاتفه النقال، وأخذ يبحث عن رقم صديق قديم، كان من دعاة الهجرة، ضغط بعدها على أيقونة "الواتساب" وأرسل إليه :
"انعي إليك الوطن". 
انتظر " وحيد" حتى الثامنة، نهض من مقام أفكاره تلك، إرتدى قميصاً اثيراً لديه، كانت أهدته اياه "أحلام" أيام كان متسكعا الا من نبضها الذي كان ينعش أيامه ، طوى أكمامه برفق، عدّل من تسريحة شعره، انتبه لحقول الشيب التي غطت حتى على بنات أفكاره. انسحب علي أطرافه بعد أن وضع قبلة خفيفة على وجنتها ، قبلة كانت كنسمة عابرة آناء هجير قاسٍ، رفع الغطاء عن ابنته "وعد"،  كانت باكورة إنتاج اشواقهما، لمعت في عينيه دمعتان، سالتا كنهر موسمي في صحراء واسعة، أغلق باب الغرفة بإحكام، وجد نفسه أمام موقف السيارات التي تقل أحلام العاطلين إلى حيث مرافئ الهجرة غير الشرعية، تحسس جيب بنطاله الخلفي حيث أوراق النقد الخضراء، تأكد انها مطوية كمسافة حنين لغائب بعيد.
انقطعت أخباره عنها، وصل سؤالها عنه حتى آخر السواحل، سألت عنه أصحاب المراكب والمهربين، وفي هيامها ذاك مرت بأحد الأسواق لبيع الملابس المستعملة، وقعت عيناها على ذات القميص، بأكمامه المطوية فتناولته في لهفة، أدخلت أطراف أصابعها المرتعشة حيث وضعت له يوما ورقة بلون أبيضٍ ناصعٍ، يتوسطها قلبان بإطار احمر وهاج، يصل بينهما سهم نافذ، أطلقت صرخة شقت أمواج المتوسط، وأخذت تركض في اتجاه البحر تسأل العابرين والنوارس عنه، لكن بلا أمل وبوجع سكن حتى مخارج حروفها المشروخة .
أمسكت بيد ابنتها "حنين" ، وألبستها القميص، وأوصتها أن تبحث عن وطن..
TAG

هناك تعليق واحد

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *