وبعد بحث دام لأعوام أخيرًا وجدتُ وظيفة، أرسل إليكِ ذلك لأني أعلم أنكِ ضيقتِ ذعرًا من كثرة رسائلي التي يغلفها الإحباط، شكرًا لتحملكِ لي.»
أنهيتُ كتابة الرسالة ووضعتها داخل مغلفها متوجهًا نحو مكتب البريد، لا أحبذ وسائل التراسل الحديثة فرغم تقدم العلم إلا أنني أجد حميمية أكبر في كتابة رسائلي علي ورق.
وضعتُ الرسالة داخل صندوق البريد وتوجهت نحو مقر عملي الجديد، وجدت صعوبة في إيجاد تلك الوظيفة فالآن يبحث الجميع عن الخريجين حديثًا باحثين عن الإبداع والفكر الجديد متناسين قوة عامل الخبرة.
أو ربما أنا من لم يكن عليه دراسة أكثر علم لا يصدق به البشر.
وصلتُ لمقر العمل المدون علي رسالة التوظيف، لم يكن بالفخامة التي تخيلتها فالرسالة تقول (شركة هيذر سبيس لإكتشافات الفضاء)، ظننتها شأنها شأن وكالة ناسا وليس شقة في مبني بشارع مهجور نوعًا ما.
وقفتُ أمام البناية فلم يذُكر في أي طابق، توقفت أمامي فتاة يتدلي من شعرها مئة جديلة بفوضوية، كانت علي وشك الدخول للبناية فأوقفتها سائلًا :
- عُذرًا، هل تعلمين مكان (شركة هيذر سبيس) ؟
ضيقت أعينها وأجابتني : نعم لما تسأل؟
- جئت للعمل بها.
صدرت ضحكة منها وتقدمت مشيرة لي لأتبعها نحو الدرج.
- أنت علي وشك أن تعمل لدي أكثر امرآة جنونًا في العالم.
تحدثتُ بسخرية أثناء تخطينا للطابق الأول : لديها ذوق رائع في أختيار مكان العمل.
- نعم هي كذلك.
وجدتها تُخرج مفتاحًا من جيبها لتفتح بابًا وضعت عليه لافتة بأسم الشركة ودخلت، فدخلتُ خلفها بأعين مُتسعة.
-هل أنتِ؟
-مُديرتك الجديدة؟ نعم أنا هي.
تقدمت هي نحو مقعد وجلست فوقه مُشيرة لي لأجلس، سحبتُ مقعد أخر وجلست امامها.
- قبل البدء في العمل مباشرة هناك بعض الأشياء يجب أن نعرفها عن بعضنا، مُستعد؟
تنهدت مستعدًا لكل أنواع الاسئلة الروتينية التي أعتدت عليها.
-ما اسمك؟
- هارفي، هارفي وينشستر.
- أنا هيذر، هيذر فقط.
كنتُ متوقعًا أن تسألني عن سنة تخرجي أو مجال تخصصي ولكنها فاجئتني بسؤالها.
- أتحب اللون الأسود؟
- ليس لوني المُفضل.
نهضت وتوجهت نحو ماكينة قهوة موضوعة بجانب الحاسوب :جيد يمنع هنا أستخدام اللون الأسود أو ارتداءه، وقبل أن تسأل لما فقط لأني لا أحبه.
حملت كوب قهوتها وتوجهت نحو طاولة تحمل العديد من الملفات الورقية المغلفة بأغلفتها الصفراء.
- أتري تلك الملفات؟ هم أكثر قيمة من كل المعدات الموجودة هنا لذا ممنوع العبث بهم.
ألتفتت لي بأبتسامة مشرقة تغلف وجهها : هذا كل شئ أتمني أن تسعد في العمل معي.
حسنًا سأعترف أن كل شئ هنا غريب ويثير الريبة بداية موقع العمل حتي تلقيبها للمكان بشركة وليس هناك أحد يعمل هنا غيري.
سألت مستفسرًا : ما هي مواعيد العمل؟
- طوال الوقت، أنا أعيش هنا لذا لا يتوقف العمل أبدًا ولكن يمكنك المجئ في العاشرة صباحًا.
أصبحت أشك أنها قد تخدرني بأي لحظة وتبدأ في تفكيك أعضائي، وإلا لماذا فجأة قررت أن توظف احد ولما يكون هذا أنا.
أستشعرت هي ملامح الحيرة علي وجهي فذهبت نحو الحاسوب قائلة : رأيت سيرتك الذاتية علي موقع التوظيف، ورأيت بك عقًلا سيساعدني في بحثي.
فتحت ملفًا في الحاسوب ليظهر إشارات الأقمار الصناعية.
- أتري تلك؟
دققت النظر لما تُشير نحوه وقلتُ : تلك رسالة أريسبو المتنبئة بوجود كائنات حيوية راقية في الفضاء.
نقرت علي لوح التحكم لتظهر إشارة أخري بنفس عدد النبضات : إنها... هذا غير معقول إنهما نفس الإشارة!
-وهذا هو ما أعمل عليه لقد وصلت تلك الإشارة منذ يومين.
- وكيف توصلتي إليها؟
- هي من جاءت لي.
لاحظت نظراتها الخاطفة نحو ركن مُعين في المكان ولكني لما تُتاح لي الفرصة لألقي عليه نظرة فقد قادتني حتي الباب قائلة : يمكنك الرحيل الآن وغدًا سنبدأ وهذا هو مُفتاحك.
وفي اليوم التالي توجهتُ نحو مكتب البريد وتفحصت الرسالة
«ثاني يوم في العمل، عمليًا هو الأول فلم أعمل بعد، ياليتكِ ترين مُديرتي كيف تبدو مراهقة مجنونة من الخارج وقد تكون الأذكي من الداخل لا أعلم بعد، ولكن هناك شيئًا مُريبًا يدور حولها.»
أنهيتُ التحقق من الرسالة وألقيت بها داخل الصندوق متوجهًا نحو عملي بحماس.
عندما وصلت حاولت فتح الباب ولكن كان خلفه شئ ثقيل يمنع ذلك، دفعته بقوة لأدخل ليهاجمني برود الهواء بالداخل برغم أننا في الربيع ولا يوجد مُكيف هنا.
وقفت في منتصف الغرفة بأعين مُتسعة مراقبًا أجزاء الفوضي التي تعم المكان.
تقدمت نحو طاولة الحاسوب التي تحمل طنًا من أكواب القهوة الخضراء والعديد من الأوراق المتناثرة، كنتُ شارعًا في ترتيبهم حتي جاءت من خلفي لتوقفني ناهرة.
- لا تلمس أي شئ.
ألتفتُ لها لأري وجهها المرهق ثمة احد لم ينال قسطًا من النوم منذ امس وأزدادت جدائلها فوضوية عن أمس.
عبرت من جانبي نحو الأوراق لتضعها أمامي قائلة دفعة واحدة : أنظر أنهم يحادثوننا هارفي، بعد محاولات التواصل لأكثر من أربعين عام ثم أحدهم يسمعنا ويريد التواصل.
أمسكت الورقة لأتفحصها وهي مازالت تتحدث : أنظر لأعداد النبضات هنا، إنه عدد ضخم مكون من أعداد زوجية.
أبتعدت لتحضر ورقة أخري بها الجدول الدوري للعناصر الكيميائية : وتلك الأعداد ترمز للعناصر المسئولة عن تكوين البشر.
إن الأمر لرائع ولكنها هي من كانت غريبة، شخص كان بالأمس ثابتًا مُتألقًا بأبهي حالاته الآن يقف أمامي علي حافة الجنون.
- سأحب مُشاركتك هذا البحث ولكن يجب أن تنالي قسطًا من الراحة أولًا.
أنتشلت الورقة من يدي وجلست أمامي الحاسوب قائلة : العلماء لا ينالون قسطًا من الراحة، يجب أن أعرض هذا علي اللجنة، يمكنك الرحيل لا أحتاج لك اليوم.
قبل أن أرحل لمحتها تنظر نظرة خاطفة نحو نفس الركن في الحائط وأستغليتُ كونها مستديرة وألقيت نظرة عليه، لم يكن به شئ غريب، رحلت ولكن شئ كان عاقلًا بعقلي حتي اليوم الذي يليه.
«ثالت يوم ومُديرتي التي علي حافة الجنون تثير ريبتي، إن الفرق بين الحماس والهوس لخيطٌ بسيط ولكنها تقف في المنتصف.»
ألقيتُ بالرسالة في الصندوق وقبل أن أتوجه للعمل ذهبت لشراء طعام الإفطار فقد كنتُ عازمًا علي مُساعدتها حتي إن لم يكن ذلك مجال تخصصي، فأنا مجرد عالم برمجيات، لا أعلم لما أختارتني لتوظيفي مقارنة بكل العقول الموجودة في هذا المجال.
صعدت للطابق ووضعت المفتاح في الباب ولكنه لم يكن يُفتَح، طرقت عدة طرقات حتي جاء صوتها من الخلف مُرتعشًا.
- مـ.. من هُـ..هناك؟
- هيذر هذا أنا هارفي.
فتحت القفل من الداخل ودفعت الباب ببطء لأدخل للغرفة التي أنتشر بها اللون الأسود في كل مكان، علي الجدران توجد رسومات عشوائية سوداء اللون لأشخاص لا أعرفهم حتي أنه موجود مثلها علي الأرضية، نظرت لها وملامحي يملؤها الذعر، جدائلها مقصوص أطرافها بهمجية، هالاتها تحاوط عيناها تأبي الرحيل وجهها شاحب وعيناها الحمرواتان وقفت تنظر بثبات نحو الحاسوب.
أبتعدتُ خطوتين عنها وهي توجهت لتجلس فوق المقعد أمامه، لاحظتُ الآن الرائحة السيئة التي تملئ المكان إضافة إلي أن الغرفة تكاد تتجمد هنا.
لم تكن تتحرك فدب القلق داخلي وتوجهت نحوها كدتُ أن أرفع يدي لأهز كتفها ولكن المصابيح بدأت إضاءتها في الإرتعاش تمامًا مثل أصابعي.
أنفجرت أحدي المصابيح مُصدرة شرارة وقعت علي طاولة الملفات لتلتهمها النيران، أصبتُ بالفزع وسقط الطعام من يدي وذهبت لأبحث عن أي شئ لأطفئها.
أحضرتُ دلوًا من الماء من المطبخ وألقيت به فوقهم لينتشر الدخان مُعلنًا وقوف الحريق.
نظرت لها بغرابة تلك الملفات التي كانت اكثر قيمة لها من حياتها وقفت ثابتة أمامها لتشاهدها تحترق.
ألتفتت لي برأسها وأبتسمت أبتسامة صغيرة : لا عمل لك اليوم هارفي يمكنك الرحيل.
- ولكـ...
قاطعتني بنبرة آمرة : أنا بخير.
وفي اليوم التالي وقفت أمام مكتب البريد وبدأت في الكتابة فلم أجد وقتًا لكتابتها في المنزل.
«حاولت اللجوء لأقوي سلاح في العالم ولكن حتي الانترنت عجز عن معرفة ما يدور معها، لا أملك سواكِ لأشاركه شكوكي، أشكرك علي تحملك لي مُجددًا.»
أغلقت الرسالة وألقيتها في الصندوق وتوجهت نحو البناية والتردد يملئني لن ينتهي العالم إن تركت ذلك العمل.
ولكن لا أعلم لما أشعر بالمسئولية نحوها، أملك صديق شرطي طلبت منه تكوين ملف عنها، أنا لا أعلم عنها أي شئ فقام بالبحث لي لأشعر ببعض الطمأنينة.
جلستُ في أحدي الحدائق المجاورة وفتحتُ ملفها.
- هيذر سبيستيان، ثمانية وعشرون سنة مُتخرجة بتقدير فائق ولكنها لم توفق في حياتها العملية حيث لم يقبل أحد بأبحاثها.
تبدو لي عالمة طبيعية، ولكن هناك المزيد.
- قُبض عليها مرة واحدة في مزاد غير شرعي، ولكن تمت تبرأتها لكون كل ما أشترته كان حاسوبًا قديمًا.
أرفق الملف مع صور أحدهم صورة لذلك الحاسوب إنه ذاته الحاسوب الموجود بمعملها.
مدون خلف الصورة بياناته ولكن خانة البائع كان مجهولة وأيضًا السعر كان قليل جدًا، قليل بشكل مُريب.
أغلقت الملف وذهبت للبناية، هناك شخصان بداخلي أحدهما يصرخ عليّ لأرحل بينما مازالت امامي الفرصة والأخر يجعلني أشعر بالذنب لما تبقي من حياتي إن فكرت في التخلي عنها.
تلك المرة كان الباب مفتوح جزئيًا، دفعته ببطء وكان المعمل نظيفًا بشكل أحترافي.
يستحيل أن تستطيع بحالتها تلك تنظيفه لقد كانت تبدو كالمومياء وذلك تابوتها الملئ بالغبار.
وجدتها تخرج وكأن نسخة أخري منها تقف أمامي، مبستمة ترتدي ملابس سوداء بالكامل ولكن أختفت هالاتها ووجها عاد موردًا حتي أن جدائلها أنحلت ليتدلي شعرها مُنسدلًا علي كتفيها.
بين يديها كانت تحمل دفتر مُذكرات وقلم.
- الآن يمكنك بدأ عملك هارفي.
أومئت لها وبداخل عقلي ألف تخيل لما سيحدث لي، ناولتني حقيبة ما بها حاسوب صغير أخرجته ووضعت الحقيبة علي الطاولة خلفي وتوجهت به نحو طاولة فارغة وفتحته.
وجدت بداخله عدة ملفات ونظرت لها مُنتظرًا أن تخبرني بما أفعله.
- أريد منك ترتيب تلك الملفات أبجديًا بدون أن تفتحها.
عقدت حاجباي في تعجب وتركتني وذهبت لتجلس بعيدًا منعزلة مع دفتر مُذكراتها ولكن قبل أن تخرج من الغرفة نظرت نحوي بترقب.
- تذكر هارفي لا يجب عليك فتح أيًا منهم.
شعرت بإشارة في كلماتها وطريق حديثها، شعرت أنها تريدني فتحها، ولكن لما لم تقول ذلك فقط؟
لا اظن أن للفضاء علاقة بهذا، نظرت نحو ذلك الركن الذي تنظر نحوه بأستمرار كان مازال كما هو.
سمعت صوت سُعالها القوي نهضت بقلق ونادتُ عليها ولكنها لم تُجيب.
ثوان وخرجت وهي تضع يدها فوق صدرها وتحاول ألتقاط أنفاسها بصعوبة.
-أنا بخير، خُذ هذا وأذهب من هنا يمكنك إكمال عملك بالغد وخذ الحاسوب معك.
ناولتني قرص بيانات ومازال علامات الأستفهام تُحيطني، حملت الحاسوب و توجهت نحو الطاولة الذي وضعت فوقها حقيبته ولكنها لم تكن هناك، أنا متيقن أنني وضعتها هنا للتو.
سحبت قدماي ورحلت لا أريد أن أبقي دقيقة أخري هنا ولكن قبل رحيلي لمحتُ ظلًا أسود الهيئة يعبر من ذلك الركن، ربما كان لا شئ.
أزدحم عقلي بوضع كل التحليلات الممكنة، ومر الوقت حتي ظهرت أشعة الشمس، نهضت وأمسكت القلم ورتبت الاوراق أمامي وبدأت في الكتابة
«اليوم قد أتخذتُ قراري، سأستقيل، حياتي كانت هادئة لا يشوبها أي شئ، أقصي مشاكلي كانت عندما لا تراسلينني، أشكرك لتحملي حتي الآن.»
أنهيتُ كتابة الرسالة وأزحتُ الورقة بعيدًا لأفتح ذلك الحاسوب، وضعتُ القرص به ليظهر ملف به فيلم وثائقي فتحته لتظهر غرفة فارغة يتوسطها حاسوب، أنه يشبه حاسوب هيذر، صدر صوت المتحدث الجهوري.
- مرحبًا أن كنت تشاهد هذا فربما قد قُتِلتُ.
أوقفته وحاولت إستيعاب ما يحدث، أعدت تشغيله وصببت كامل تركيزه معه.
- أنا تشارلي وقد أكتشفت للتو أكتشاف قد يغير البشرية ولكن البعض لا يريدونه أن يري النور.
ظهر الشخص المتحدث في الشاشة وهو يحمل كتابًا مغلف باللون الأسود قال مُتنهدًا : لطالما نظر العلماء للسحر بأنه خرافات، ولكني أراه علمًا لم نكتشفه بعد.
كاد أن يكمل ولكن طرقات عنيفة علي الباب قاطعته، نظراته كانت ثابتة ولم يرجف حتي.
توجهه نحو الحاسوب وفتح الكتاب ووضع يده فوق الحاسوب وبدأ يقرأ كلمات بلغة غريبة وتزداد سرعة حديثه رويدًا رويدًا.
صوت تمزق أخشاب الباب أخترق أُذناي ولكنه لم يتوقف، جاء شخصين ضخام الحجم شاهرين أسلحتهم نحو رأسه كانوا يهددونه ولكنه لم يتحرك.
حتي أنتهي ونظر لهما بثبات :
- حتي وإن فني جسدي ستظل روحي في الجوار لتكمل عملي.
أنهالت عليه الرصاصات ووقع جثة هامدة توجه أحدي الرجلين للكاميرا وأطفئها، أستطيع رؤية ملامحي المذعورة في إنعكاس شاشة الحاسوب.
ولأول مرة منذ سنوات أشعر بذلك القدر من الغباء والعجز وقلة الحيلة،من هذا وماذا يفعل وما علاقة كل هذا بـهيذر؟
أسرعتُ وفتحت تلك الملفات الموجودة علي الحاسوب.
- تشارلي ماركلي، عالم بيولوچي عضو في عدة جميعيات ولكن الإشاعات حوله تدور أنه يعالج الأمراض بالسحر.
- قُتل في ظروف غامضة ووجد في حوزة الجثة ورقة ممزقة.
الملف الذي يليه كان به تلك الورقة، كانت مليئة بالرسوم والحروف الغير مفهومة لذا أنتقلت للصورة التي تليها لأجد نفس الصورة ولكن عليها ملاحظات هيذر وقد حاولت أن تفك لغزها.
كتبت في أعلي الصفحة «إنتقال الأرواح»، أنتقلت للملف الذي يليه كان بحث عن إنتقال الأرواح.
- إنتقال الأرواح هو وضع روح آدمية داخل شئ مؤقتًا حتي يتم وضعها داخل جسد آدمي مجددًا.
أرجعت جسدي للخلف فقد تصادمت أفكاري وكل شئ تداخل الآن، إذًا تشارلي هذا كان ساحرًا فقُتل ولكن روحه لازالت موجودة داخل حاسوبه الذي يشبه خاصة هيذر.
أكملت باقي الملفات لأجد صورة ذلك الحاسوب عن قرب، ولكن تلك الحوائط خلفه كان حوائط غرفة هيذر، هناك شئ عالق داخل شاشة الحاسوب ولكني لا أستطيع تميزه.
زدتُ إضاءة الصورة ودققت النظر، وفور أن رأيته نهضت عن المقعد بصدمة.
- يا إلهي هيذر في خطر.
ركضت إلي الخارج وفي دقائق كنتُ أمام البناية التي تجمهر أمامها كل قاطني الحي ليشاهدوا تصاعد النيران من نافذة هيذر.
ركضتُ علي الدرج حتي وصلت لشقتها ركلتُ الباب بقدمي فسقط ومن خلفه وجدتها جالسة بمنتصف الأرضية تُجدل شعرها في هدوء بينما النيران خرجت من الغرفة الداخلية وبدأت تلتهم ما حولها.
نادت عليها في ذعر :
- هيذر!
رفعت نظرها لي ووقفت متوجهة نحوي في خطوات ثقيلة بأبتسامتها.
- أنا بخير هارفي لديك عمل واحد اليوم.
أشارت بيدها خلفي لألتفت وأجد ذلك الحاسوب الملعون موضوع علي الدرج.
توجهت نحوه وكسرت شاشته بقدمي لأخرج من داخلها كتاب السحر الخاص بتشارلي من داخله وألقيته داخل شقة هيذر.
أمسكته هي برفق و وأحتضنته وتوجهت للداخل ولكن قبلها ألتفتت نحوي.
- لقد قمت بعملًا جيدًا هارفي.
وبعد مرور عدة أيام أخرجتُ اوراقي التي فارقتها منذ مدة
«أعلم أنني كنتُ غائبًا عنكِ لفترة ولكن يا ليتك يا أمي ترين كيف كنتُ أعاني، لقد تحملتي رسائلي التي لا تصل أبدًا كثيرًا، أتذكر كيف كنتِ تنهرينني كل مرة علي وضعي للرسائل في الصندوق الذي لا يستخدمه المكتب بعد الآن، أتذكر كيف كنتِ تحبين القهوة الخضراء رغم مرارة مذاقها، وجدائلك التي لم تفارقك أبدًا، أشكرك علي تحملك الصامت لي فقد ساعدني علي جعل الأيام تمضي، أشكرك علي جعلي أراكِ في كل شئ، فلم تكن هيذر سوي نسختكِ المحببة لي، لطالما أحببتِ الفضاء، ولطالما أحببتُ أنا الخيال، فلترقدي في سلام.»
أغلق سام المذكرات أمام لجنة الأطباء أمامه شارحًا :
- وتلك كانت حالة المريض هارفي ويسنشتر، في مرحلة التعافي من فصام من الدرجة الثالثة.
عظمه 💙
ردحذف