-->

انتقام أفعى - قصة - شريف القصاص

 



"   سوسن ! يا إلهي...."

مرت أيام كثيرة بعدما كنت أحد جنود الصحراء يخافُني البشر ومعظم الكائنات ،صوت فحيحي يُرهب الأعداء ،وهدوئي سر نجاحي . لا أمتلك أرجل لذلك لن تشعر بمجاورتي ،فلدغتي ستنسيك كل شيء خلال ثواني .....ألم تعرفني بعد؟ أنا كوبرا الصحراء ،وسوسن فيما بعد.

 

لم أتذكر من تلك الأيام سوى ذلك الرجل الذي لم أشعر به كما لا تشعر بي فريستي ،يُطبق فمي ويضحك بسخرية ويكشف عن أنيابه ويقول "ها هي فريسة أخرى سهله " ،ثم يضعني في كيسه سوداء لألتلف حول نفسي كما ألتف حول العظام لأهشمها .

 

ما هذا ؟...ماذا حدث ؟...كم مر من الوقت؟...

صندوق من الزجاج؟... أهذه هي نهايتي سلعه يبتاعني الآخرين ويقولون لا تسوي سوى جنيهات ؟

 كم أتمني أن أكسر ذلك الزجاج لأذيقهم مذاق سمي ...لحظة لا أستطيع أن انشر سُمي ! وأنيابي !...

 ‏شعرت بالضعف بين هؤلاء الوحوش ، ينظرون إلي في نهم وعلي وجوههم الدهشة ،يرفعون حواجبهم ،لأنهم يعلمون أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيعوا أن يروني بها ... يعلمون جيداً لو كنت طليقا لِما رأيت سوى أشياء تُرمي إلى السماء من شدة الرعب ،ذلك السوق الممتلئ بالبشر سيكون كطبيعة منشأي .

 

آتي ذلك الشاب ليترك الورق من يديه ،يرفع نظارته الشمسية ،يفتح فمه في ذهول ويسأل البائع:

-هل هذه كوبرا صحراء ؟ نعم بالطبع هي ...ولكن كيف أمسكتها ؟

-‏تلك مهارات يا صديقي ..

 

مهارات ؟ يا لك من مخادع مثلي ، تلصصت من ورائي ولا تنكر أنك تعلمت هذا من بني جنسنا ...شخص متكبر ...لو كنت رأيتك أولاً  لكنت...

 

-بكم سعرها؟

 

يقول البائع في نظرات انتهازية لما يراه علي وجه ذلك الشاب المذهول ليتنزه الفرصة :

- خمسه آلاف جنية ؟

تذهب علامات الذهول ليرتفع إحدى جانبي فمه وتنكمش جبهته :

-ماذا تظنني ،دعك من هذا الروب علي معصمي...هو آلف لا غير .

-‏أمممم، لا ...لا أستطيع ولن أقبل أقل من خمسمائة أكثر .

 

سكت لبرهه وتأمل جلدي الأصفر و عيناي التي تراقبه وفحيحي المخيف ثم يأخذ من جيبه الخلفي بعض الورقات وهو ينظر إلي جيداً ويتفحصني في إعجاب شديد ...ثم ألتفت إلى البائع وهو يظلم صندوقي بروبه الخاص ......

 

 

يعود الضوء شيئاً فشيء ، رأيته أمامي وهو يرتكز بذراعيه علي ركبتيه ويحملق بي ،وظل صامتاً لبرهة ثم بدأ يتحدث :

-أنثي كوبرا الصحراء ، فصيلتك هي إذن من كانت سبب في موت كيلوباترا ، أم هذا كذب لتضليل الحقائق ...سوسن ،أظن أن هذا الاسم يناسبك يا سوسن ...

 

سوسن! كم تمنيت لو اختطفني صقر من السماء وألا أوصل لهذه الدرجة ،أو ينكسر ذلك الزجاج لأُهشم عظامك يا هذا. كائن مثلي وصل إلى أعلى درجات القوة ، تخرج أرواح أعدائي عند سماع صوتي ، أبتلع خصمي من بكرة أبيه ثم إلى سوسن!...

 

تركني وذهب لغرفته ، تأملت أنا هذا البيت الأنيق لكن إهماله جعله كصحراء جميلة لكن بدون بركة ماء تعطيها مكانتها الخاصة ...تلك الملابس الملقاة على الأرض وذلك الصوت الذي علمت فيما بعد أنه صوت موتور الماء ،لا أستطيع تحمله جسدي يقشعر منه ، تلك الصور لتلك المرأة الفاتنة التي لو كنت بشري لكانت من نصيبي وكنت أجعلها ملكة تضع يدها على مشرق الأرض والآخرى علي مغربها ، وشهادات كثيرة تزين الحائط أظنه من أصحاب مجالس العلم ...أكملت نظراتي لأجد ذلك المسكين يقف علي غصن شجرة داخل قفص كالذي أنا به ،يُغير لونه كل دقيقة من الملل ، بدأ يتحدث معي وسبق حديثة ضحكة سخرية :

-مرحباً يا سوسن ....

نظرت إليه وأنا أرفع جسدي إلى أعلى القفص وأُسمعه صوت فحيحي :

-سوسن تلك لو كانت خارج القفص لأصبحتَ عشاءها اللذيذ .

ضحك مرة آخرى وقال:

-دعكِ من هذا يا سوسن ، سنتسلى كثيراً لن تنامي من كثرة الملل وبعض الإثارة التي تحدث هنا ليلاً، بالمناسبة أدعى أحمر ...

ضحكت وقلت له:

-سوسن أقل بشاعة من هذا يا أحمر...

قال في استهزاء وهو يغمز بنهاية حديثة:

-بل كان يوم مجيئي ليله حمراء له ...

-‏وماذا يُدعى هذا المغفل؟

-هاني ، لكن أنتظر حتي يهل الليل ....

 

مر عدد من الساعات حتى أصبحت أسمع عواء الكلاب من تلك النافذة ، أطعمني بعض رقاقات اللحم ، ثم أمسك بعض الورقات ومرت دقائق ثم ألقاهم و علىَّ صوته وهو يقول في حماس ويلوح بيده "سيدي القاضي حضرات السادة المستشارين أما بعد ، موكلتي صفاء القابعة أمامكم ، بريئة كالثوب الأبيض ، أنتهز هؤلاء الشبان وحدتها بالمنزل فتهجموا عليها ،وليس كما أدعى زوجها بالباطل ......"

طرق الباب ثلاث مرات ثم كانت المفاجأة ،فنظرت إلى أحمر وعيناي متسعتان ولم أستطيع أن أُخرج لساني فقد تجمد من الذهول فقال لي :

-ألم أقل لك لن تستطيع النوم من الإثارة ،ربما نكون باب خير له ....

ثم ضحك.

 

لم أستطيع التحدث قط، تذكرت قريبي الثعبان عندما حكى لي أن البشر رغم خوفهم منا إلا أنهم يتسمون بالأخلاق ...وأن في يوم كان يوجد حريق في منزل كان يسكنه فلم يستطع الهرب منه فأقترب بشري منه لينتشله فلدغه حتي صرخ الرجل فلم يخاف ورجع مرة آخرى ليأخذه ،فأوقفه صديقة وقال "ماذا تفعل يا رجل ،أمجنون أنت ؟" فرد البشري "لست مجنون ،لدغني لأن هذه فطرتهم ، وانقذه لان هذه فطرتي ".

 

لم أرى أي أخلاق تلك الليلة ، ولا علم من تلك الشهادات ينفعه ،وبعد أن مرت ثلاث ساعات تقريباً طرق الباب مرة آخرى ، تأخر في الرد ... ثم جاء ففتح ليقول لها وهو مرتبك ويبلع ريقه بصعوبة:

-مرحباً عزيزتي ، جئتِ مبكراً  يومان ، كيف احوال أهلك ؟

تنظر إليه وهي هادئة ، تحمل حقيبتها ولا ترد عليه ، وبملامح مجمدة وتقول:

-أين باقي ملابسك ؟

يجيب وهو يتنهد بالكلام :

-كنت أخذ شاور .

تُتمتم بحروف وتقترب منه وتقول في اشمئزاز :

-شاور ، فلماذا رائحتك عرق .

تبعده بيدها وتدخل مسرعة إلى الداخل حيث كانت صفاء خلال تلك الساعات التي مضت .

نعم صفاء ، ذلك المحامي يأخذ قضايا الشرف لمصلحته الشخصية، أهكذا الانسان ،ذلك المخلوق الخلوق ،ذلك البشري الذي يخاف منا ، بل أصبحت من أخاف منه .

يستعرض مواهبه ،ألم تتعلم مني شيئاً ،لم يأتي بي هنا سوى ثقتي بنفسي فلُدغت كما ألدغ فرائسي .

وعلى صوت زوجته:

-من كانت تلك المرة، ألم تتعلم قط ، لقد فاض بي ،أأنت محامي؟ ... سأكون أنا خصمك قريباً.

ثم خرجت من الغرفة تجري و الدموع علي وجنتيها الحمراء ،تمسح بيديها عيناها ،أرى جبال من الآلم تعلوها لتنكس كتفها ، وسحابه رعدية حزينة لها  ،روح تحطمت لأنها تعلقت وأحبت ، وقلب ينزف كل ما بداخلة ويتنمى أن يتوقف ...ذهبت وهو يلاحقها ،فردعته ثم أمسكت تلك الزهرية لتقذفه بها ، وهي تقول "ليتها أصابتني قبل أن تصيبك فلم أفعل ما أنا ذاهبة لفعله " لكنه تنحى جانباً...

كانت قذيفة ربما تؤذيه ولكنه لم يعلم ماذا سيصيبه بعد ...كسرت زجاج قفصي ...كدت أبكي من الفرحة أصبحت حراً ، أصرخ وأقول لم تصبك ولكنها أصابت هدفها ..اللعنة عليك .

كاد بوسعي أن أهرب من تلك النافذة ،لكن يجب أن أتصرف بفطرتي تلك المرة . اقتربت منه وهو قابع بدون قميص يستره ،يُدخن لفافات التبغ ويضع يده على خده ،ثم أمسك بهاتفه :

-ألو، صفاء أين أنتِ الأن ...نعم لقد كانت زوجتي ،لكن لا يهم...المهم أنها ذهبت قبل أن تراكِ تذهبين من الباب الخلفي ،إذا رأتك لسوف تكوني في عداد الموتى ...

يقولها وهو يبتسم ابتسامه صفراء ثم بدأ يقول لها :

-كيف سنلتقي مجدداً ...

لم أستطيع أن أنتظر ردها ،فداهمته وأخذته علي حين غرة ،التففت حول رقبته و صدره ، شاهدته وهو يخرج انفاسه الأخيرة بفم مفتوح يشهق به وعينان جاحظتان ، ويدان تُربت على جلدي عسى أن أدعه ولكن هيهات.. هيهات ... أرى في عينه الانكسار كما أذاقه لزوجته ، أعلم أنه يرى كل ماضيه النتن ، أعلم أنه ينتهى حتى دخان التبغ بداخل صدره ظل مكانه ،أصبح كالدمية مصيرها بيدي ، لكنها دمية أساءت حقيقه وجودها وأصللت نفسها ، تركت فطرتها وتصرفت بروح شيطانيه ، لكن معي يا هاني سوف تكن هالك ...أتسمعني ؟.

 

قد مات ،لا يستحق الحياة ، يقول أننا في غاية الخطورة ..لسنا نحن الخطر بل هم الخطر علي أنفسهم وعلينا ...

 ثم نظرت إلى أحمر وقلت له :

-لو كنت خارج قفصك أنت أيضاً لأذقتك طعم لعابي ،ولكنك محظوظ ...

بلع ريقه ولم يتكلم ،بل غير لونه إلى لون الغصن حتى يختفي ...ابتسمت وقلت في ثنايا روحي "عادت هيبتي مجدداً..."

أما الأن فحان وقت الخروج فهناك بشر بدون أخلاق ينتظروني ......


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *