-->

احتراق- ‏قصة ‏- ‏محمد ‏عيد


التقرير المبدأي للمعمل الجنائي
اسم الطبيب : موسى مرسي
وقت الوفاة المقدر بين الساعة السابعة و الثامنة صباحا يوم الخامس من اكتوبر عام 2020
المتوفى رجل في العقد الثالث من العمر لم يستدل على الملامح نتيجة تفحم الجثة 
المعاينة المبدأية للموقع ترجح سبب اشتعال النار نتيجة احتراق مادة سريعة الاشتعال (مرجح بنزين ) ادت لاشتعال النيران في الشقة القابعة بالدور السابع من المنزل رقم 22 شارع شريف بحلوان 
المادة اشتعلت بفعل فاعل مما ادى لاحتراق المتوفى 
                                             ************************

اللون الرمادي يصبغ الموجودات من حوله يقف بثبات على السور الشرفة ينظر للشارع من اسفله يمسح بيديه دموعه لا يريد ان يموت و الدمع يملئ عينه عشت كالرجال فمت كالرجال مد قامته واستجمع شجاعته ثم....
قفز من سور الشرفة داخل المنزل و اتجه الى السرير جلس عليه واخذ في البكاء حتى نام
فتح عينه لا يعلم كم مر من الوقت عليه وهو في هذه الحالة الشمس تملئ الوجود من حوله
قام و اتجه الى المكتب القديم و اخذ الدفتر الذي عامله كمذكراته منذ فترة واخذ يكتب
2 اكتوبر 2020
فشلت محاولة الانتحار الثانية حاولت صباحا ان اقفز من الشرفة ولكن لم استطع انا اجبن من الموت واجبن من الحياة لا استطيع اللحاق بمن ماتو ولا استطيع الذهاب لمن عاشو انا اقف في البرزخ لا استطيع العودة للحياة ولا استطيع الموت ايضا
وطنك متباع سرك متذاع الدنيا حويطة وانت بتاع بقيلك ايه تاني تبكي عليه؟
كلمات عبد الرحمن الابنودي حقا ماذا بقي لدي لابكي عليه لاشيء
لا اعلم حتى لما اكتب؟
هل لاذكر نفسي اني لم انتحر بعد؟
هل لاذكر نفسي اني مازلت حيا و اقوم بأشياء يفعلها الاحياء اني لم امت و اتحول لشبح الان 
هل الامل ما يجعلني اكتب؟
كتب جملته الاخيرة و اخذ في الضحك ضحك كثيرا على جملته الاخيرة الامل؟
- امل ايه يا عبد الحميد فوووووووق امل ايه؟ امل دي تبقى عمتك الله يرحمها يلا 
و اخذ في ضحك هيستري خفت تدريجيا ثم تحول لبكاء بطيء اولا ثم اخذ يتزايد حتى اضحى نواحا 
-امل ؟ امل ايه يا عبد الحميد امل ايييييييييه؟
امسك بالدفتر بقوة وكتب
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
مفييييش امل مفيييييييييييييش امل 
كتب حتى ملأ بها الصفحة و ذيل الصفحة ب 
غدا سأفعلها غدا سأفعلها 
ورمى الدفتر بقوة ضاربا به الحائط و عاد لسريره لكي يمارس فعله المفضل هذه الايام البكاء حتى النوم
                               *************************************
امضى يومه و ليله في استيقاظ يتبع بكاء ونوم 
قام من على سريره امسك بمحفظته يحصي ما بها من نقود مئتان و عشرون جنيها هي كل ما يملك من حطام الدنيا الدنيا الان لا يملك حتى ما يمكنه من دفع ايجار الشقة الشهر المقبل على كل هو لا يريد ان يعيش للشهرالمقبل على كل حال 
اتجه يبحث عن الدفتر حتى وجده وخط على صفحاته
3 اكتوبر 2020
اليوم سأموت الموت غرقا حقا هذا انتحار جيد جربت قبلا الانتحار بالادوية و لكني لم امت تسببت لنفسي بأسهال فظيع استمر معي لعدة ايام كيف بسبب غلطة من الصيدلي الاحمق الذي اساء السمع فأعطاني دوائا اخر جربت الانتحار من الشرفة مرتان ولكن لم استطع ايضا يقولون ان من يعرف السباحة لا يستطيع الانتحار غرقا حقا؟ سأعرف الان
الساعة الان السادسة صباحا الوقت مبكر ولن اجد الكثير من الناس لمنعي او انقاذي هذا جيد هذا جيد 
ارتدى ملابسه و اتجه للمترو ركبه حتى التحرير نزل و خطت اقدامه ارض الميدان يشعر بغصة في حلقه كلما اتى لهنا يتذكر منذ بضع سنين عندما وقف هنا مع مئات الالاف غيره يهتفون 
الشعب يريد اسقاط النظام الشعب يريد اسقاط النظام 
كان وقتها عبد الحميد مختلفا عن الان كان طالبا في كلية السياسة و الاقتصاد بجامعة حلوان كان مليئا بالقوة بالحلم بالامل يذكر خالد
- امي يا حسين امي يا حسين خلي بالك منها
الدم يتسرب من ثقب في صدره وكل ما كان يفكر فيه وقتها هي امه امه فقط 
اتى مصطفى من بعيد مهرولا لهم اخذ يصيح في عبد الحميد 
- شيله شيله معايا يلا
و لكن عبد الحميد كان مجمدا كتمثال 
الموت
كان اول مرة يرى الموت بهذا الوضوح بهذه الصراحة بهذه القسوة 
خالد منذ قليل كان يملئ المكان حياة صوته الرنان و عنفوانه كم بهر عبد الحميد حقا والان خالد مات اولى قطرات الامل المتسربة من نفسه اسقطها موت خالد
ضربه مصطفى بقبضة قوية في صدره صارخا 
-شيله معايا
ضربة اعادت لعبد الحميد الحركة
حملاه للمستشفى الميداني ولكن كان الاوان قد فات 
تساقطت الدموع مجددا من عين عبد الحميد اهو على خالد ام على نفسه؟
لا يستطيع ان يحدد تابع السير حتى وصل الى منتصف كوبري قصر النيل وقف ممسكا بالسور بقوة هل يفعلها؟
سؤال ردده في نفسه 
- عبد الحميد يبقى سفير
جملة والده المعتادة 
- لا يا ابا انا هتعين في الجامعة 
ورده المعتاد
حسنا لم ينل اي منهم على كل حال 
فكر عبد الحميد كيف سيكون رد فعل والده و امه على خبر انتحاره هو يفعلها بسببهم لم يكن لهم كما ارادا كانا يريدانه افضل الناس ارادا له العلم ارادا له الرفعة ارادا له الحياة ولكنه لم يستطع ان يحقق شيئا فعل كل ما يستطيع ذاكر و تخرج بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ولكن لم يتعين في الجامعة
الكلية لا تحتاج معيدين هذا العام وهذه سابقة لا تتكرر كثيرا مما احبطه في البداية وحطمه لاحقا معرفة ان الكلية قد عدلت قرارها و تحتاج لمعيدين معيدين اثنين ايضا و ليس فقط واحدا تم اختيارهم سريعا و بدون اخبار الجميع بالطبع نعلم جميعا ان كون هاذين المعيدين هم ابن دكتور و ابن اخ العميد هي محض مصادفة لا اكثر تداهمه الافكار و الاحباطات و الخفقات المتتالية و المتتابعة هز رأسه كثيرا في محاولة لفضها عنه وفي هروب منها قفز من على الجسر الى الماء
ارتطم جسده بقوة غاطسا عدة امتار داخل النهر
البرودة من حوله الصمت المريع الصمت اخيرا حتى من افكاره الخاصة 
كم يا ترى ستأخذ من وقت حتى تموت
10 ثوان مرت تحت الماء و يستمر جسده بالهبوط
اخذ يفكر
ماذا يا عبدالحميد اليس هذا ما تريده؟
اليس الموت ما تريد ؟ 
اليس كل ما اردته هو السكون واسكات اصوات افكارك الخاصة التي لم تترك لحالك منذ تلك اللحظة منذ شهر تلك اللحظة التي ادخلتك في اكتئابك و جعلت لافكارك افكار ورغبة خاصة بها وفقدت القدرة على السيطرة عليها حتى اضحت كائن مستقلا عنك لا تستطيع اسكاته او التحكم فيه كائن لم يتوقف عن الزئير لحظة واحدة منذ ميلاده اللعين حتى افقدك اعصابك و اوصلك الى ان تنهي حياتك بيدك 
20 ثانية و يستمر جسده في الهبوط
حسنا يا فتى هذه هي اللحظة التي تمنيت ها هي الان استقبلها بهدوء بصبر امتار وتبلغ القاع و تنتهي القليل فقط بعد يا عبد الحميد
30 ثانية و يبدأ الجسد في الصعود
لم يستطع ان يترك نفسه فطرة النجاة لديه قد تغلبت تحركت يديه و رجليه في هيستيريا حتى اصعداه رغم عن رغبته الى السطح
هلع شديد اصابه ارغمه على ترك الموت والعودة الان صعد الى السطح وفعلها عند الوصول اخذ شهيقا قويا ملئ رئتيه واعضائه الداخلية كلها بالهواء حتى ظن ان الهواء قد دخل لامعائه اخذ في السباحة الى الضفة قاوم الزرع على ضفاف النهر حتى صعد الى الارض الثابتة قال في نفسه 
كان معهم حق من يعرف السباحة لا يستطيع ان ينتحر بالغرق و صاح باعلى صوته
- منك لله يا ابا انت اللي علمتني العوم 
استلقى على الارض محملقا في السماء من فوقه مجهد ومحطم اهلكه تعب السباحة وغياب الاكسجين عن عقله لدقيقة اغمض عينيه وفي مكانه ترك عقله يسير حتى نام 
                              *********************************
استيقظ بعد ان لسعته شمس الظهر قام من مكانه متثاقلا اخذ وقتا حتى استوعب اين هو وتذكر ما كان يفعل نهض و قرر العودة للمنزل وقرر ايضا شراء الطعام فمن يريد الانتحار يشعر ايضا بالجوع 
وصل الى المنزل اكل والقى بنفسه على السرير ليغط في نوم عميق
ايقظه صوت الدق على الباب طارق لحوح ظن انه ان تركه سيمل و يذهب لكنه لم يمل و صوت الدق تحول لالم في رأسه قام ونظر في الساعة انها الواحدة صباحا اتجه و فتح الباب ليجد مصطفى امامه الذي قال
- ازيك يا عبد الحميد
- كويس يا مصطفى انت عامل ايه 
-ايه مش هتقولي اتفضل
-لا طبعا اتفضل اتفضل
وفتح عبد الحميد الباب و دخلا
دخل مصطفى وجلس على الاريكة و سئل عبد الحميد
- انت مالك مبهدل كده ليه
-العادي عايز ايه مني يعني
-لسة مش عايز تسمع كلامي بقالي شهر بعدي عليك مرة تفتح و عشرة لا تليفونك طول الوقت مقفول مبتنزلش مبتخرجش عبد الحميد انا خايف عليك
-متخفش يا مصطفى متخفش انا كويس صدقني 
-اهلك اتصلو من البلد خالتك معاها رقمي بتتصل بيا كل يوم تسألني عليك وانا اكدب عليها واقول كويس وان تليفونك بايظ بس مش اكتر يا راجل تلت اسابيع متكلمش امك ولا ابوك
- معلش يا مصطفى معلش
- امسك نفسك يا عبد الحميد ابوك تعيش انت
نزل الخبر على عبد الحميد كالصاعقة اصابته فتسببت في فشل تام في وظائف الادراك والحس لا كلمة لا صوت لا حركة 
-عبد الحميد هيبقى سفير
كلمة ابوه المعتادة
- لا يا ابا انا هتعين في الجامعة 
ورده المعتاد
-رفضوني في الخارجية يا ابا 
- رفضوك ليه و هما هيلاقو احسن منك فين؟
- رفضوني علشان اصلي يا ابا 
- اصلك ماله لا كنا حرامية ولا نهابين ايه يعبنا
- يعبنا اننا غلابة يا ابا
بركان من الذكريات انفجر في داخله و تحولت الشقة لشاشة عرض قاسية
هنا ابوه و هو يزجره عن اللعب في الارض حتى لا يتسخ لباس المدرسة و هناك يحمله على حمار و ابوه يسير في رحلتهم اليومية للمدرسة ذهابا وايابا وفي هذا الركن ابوه وهو يحتضنه ويحمله من على الارض بسعادة بعد نتيجة الثانوية العامة و في هذه الزاوية ابوه يبيع نصف ارضه ليوفر نفقاته للجامعة و على هذا الحائط ارتسمت نظرة ابوه الحانية عليه و في منتصف كل هذا وقف الابن الذي يرى نفسه الخيبة المجسدة 
- عبد الحميد عبد الحميد اجمد كده اومال
انهمرت الدموع من عينيه الواحدة تتبعها الاخرى الواحدة تتبعها الاخرى لم يستطع ان يحقق له شيئا عاش حياته من اجله بذل كل شيء له حياته ماله اماله احلامه تحولت كلها لعبد الحميد حلم عبد الحميد كان رد شيء من الجميل له ولكنه لم يستطع والان لن يستطيع ابدا 
صرخ عبد الحميد صراخه كان يحمل كل ما بداخله من غضب و يأس صرخ في وجه الجميع صرخ في وجه الكلية التي لم تعينه صرخ في وجه من لم يوظفوه في الخارجية صرخ في وجه كل جهة عمل قصدها ولم يفلح فيها صرخ في الرجل الذي لم يرد ان يزوجه حب حياته لانه (على قد حاله) صرخ في حاله صرخ في نفسه صرخ في الناس في البلاد صرخ فيمن قتلو خالد صرخ فيمن دفعوه لقتل نفسه صرخ في مصطفى صرخ في صراخه و اخيرا صرخ على موت ابيه ان كان هناك من خيط كان يمنعه سابقا فقد الان قد قطع 
ويد مصطفى تربت عليه دائما ربتت عليه ربتت يوم رفض في الخارجية يوم مات خالد يوم رفض من الزواج و لكن ماذا فعلت تربيتاتك يا صديق؟ 
لا شيء بعد ساعة من البكاء و المواساة قال مصطفى 
- انا هسيبك دلوقتي واعدي عليك بكرة الصبح علشان نسافر عمامك قامو بالواجب دفنوه و اكرموه خلاص مفيش حاجة تعملها بس لازم تقف في عزاه ارتاح يا عبد الحميد البقية في حياتك يا صاحبي 
تركه مصطفى و اصبح عبد الحميد وحيدا ربما للابد 
                                         ********************************
جلس عبد الحميد على مكتبه مرتديا بذلته الوحيدة والرفيق الدائم في كل خفقاته كانت رفيقه عندما رفض من الخارجية و عندما رفض من الزواج و في الليلة المشئومة تلك الليلة التي سكبت اخر كرامته على الارض و دفعته دفعا للتفكير ثم محاولة الانتحار 
يومها كان عائدا من مقابلة عمل في احدى الشركات كمترجم حين اوقفه امين شرطة مطالبا ببطاقته اخرجها له عبد الحميد و اعطاه اياها ليطالبه الامين بتليفونه المحمول رفض عبد الحميد في البداية ليجد نفسه يجر جرا ليقف اما الضابط الذي نظر له من اسفل النظارة وقال 
- وتليفونك في ايه بقى مش عايز توريهولنا محادثات مع داعش ولا صور مواقع امنيه
- يا باشا عليه حاجات شخصية و صور عائلية مينفعش حد غريب يشوفها
نظر له الضابط ماليا و قال 
- انت شكلك ابن حلال و ابن الحلال لازم الناس تصدقه بس عارف انا شوفت كام ابن حلال لقيته بعد كده ابن حرام كتير كتير اوي هتوريني التليفون بالزوق ولا لا
خاف عبد الحميد من كلمة لا هذه ليست الثورة لكي يقول لا هذه مصر الجديدة مصر ما بعد الثورة حيث لا يصح قول كلمة لا 
اخرج الهاتف و فتحه للضابط الي اخذ يرى المحادثات على الفيس و الواتساب ثم اتجه للصور و اخذ يقلب فيها ثم قال
- هي دي الصور اللي مش عايزنا نشوفها ومين البت اللي حاطط ايدك على كتفها دي المزة؟
قال عبد الحميد بنفس منكسرة
- دي اختي يا باشا
تلك كانت اخر صوره له معها قبل زواجها و سفرها مع زوجها الي الخليج للعمل
-اختك تصدق وحشة زيك
لم يتمالك عبد الحميد نفسه و قام بصفع الضابط على وجهه صفحة خيم الصمت بعدها على كل الموجودين وقف الضابط بغضب ورد الصفعة بصفعة اخرى اسقطت عبد الحميد ارضا و انهال عليه الامناء و العساكر بالضرب بنعالهم و اقدامهم ثم سحبوه للقسم حيث قضى اسبوع في الحجز خرج بعده شخصا اخر ان كان بقي في نفسه شيء بعد كل ما مر به فقد مات في هذا اليوم 
امسك عبد الحميد بالدفتر وكتب
4 اكتوبر 2020
ابي قد مات 
لم تكن رغبتي في الحياة ما كان يوقفني عن الانتحار كان هو دائما كنت اتذكره في اللحظة الاخيرة فيعيدني مرة اخرى للحياة اليوم مات كنت دائما اترك بابا خلفيا لي لاعود من المحاولة اليوم لن يكون هناك اشتريت بضع لترات من البنزين و نثرتها في المنزل اليوم...
قاطع افكاره صوت دقات على الباب و صوت مصطفى ينادي عليه لكي يفتح
لم يلتفت و اكمل الكتابة 
اليوم لن اترك مفر نثرت البنزين في المنزل و الان تنتهي معاناتي
اخرج عيدان الثقاب من جيبه اشعل واحدا والقاه على الارض امام غرفة النوم ليشتعل خط من البنزين وينتشر في شكل شبه دائرة حول غرفة الصالون ويتجه بخط مستقيم نحو غرفة النوم جلس في هدوء غير عابئ بالنار التي تزيد تدريجيا من حوله و بدقات صديقه على الباب التي تحولت الى ضربات عالية انتهت باقتحام مصطفى المنزل و كسره للباب دخل ليرتد خارجه نتيجة لعتبة النار التي واجهته عندما كسر الباب صرخ باعلى صوته 
- عبد الحميد يا مجنون بتعمل في نفسك ايه حرام عليك 
رجع الى الوراء ودخل قافزا فوق النيران سحب السجادة الصغيرة من على الارض والقاها امام الباب ليقتل النار التي امامه ثم يسحب عبد الحميد من اكتافه للخارج قاومه عبد الحميد ازاح يده من عليه و دفعه 
-سبني يا اخي سبني انت اللي جابك اصلا سبني اموت انا عايز اموت انت مالك
-لا مالي انا صاحبك
- وانا لو صاحبك وليا خاطر عندك سبني ابوس ايدك يا مصطفى سبني عايز ارتاح يا مصطفى عايز ارتاح يا اخي عايز ارتاح
واخذ في البكاء و نزل على الارض بركبتيه 
نظر له مصطفى ثم لكمه على انفه لكمة كسرت انفه بضربة واحدة جعلت رأسه يفقد اتزانه و اصبح العالم يهتز من حوله حمله مصطفى على كتفه ونزل به الى الشارع و القاه على الرصيف و قال له
- خليك هنا هطلع احاول اطفي النار واجيلك الناس هتولع وهي نايمة يخربيتك 
اخرج هاتفه و رماه له و قال 
- اطلب المطافي بسرعة 
و ادار ظهره واتجه ركضا للنار لكي يطفئها ظل عبد الحميد على الارض في حالة صدمة لم يفق منها الا بعد سماع صوت انفجار في شقته بالذات اكيد النار قد وصلت لانبوبة البوتجاز و باقي البنزين في المطبخ صوت الانفجار اعاد له صوابه اخذ يجري بسرعة حتى وصل الى الدور السادس النار كانت تخرج شرسة من الباب و صديقه لا اثر له 
                                                **************************************
اللون الرمادي يصبغ الموجودات من حوله و رائحة الزرع و الارض تنعش انفه تنعش روحه ذاتها يرفع الفأس ثم يهوي به على الطين اسفله يكرر الضربة مع تغيير المكان ينتهي و الشمس قد سطعت في السماء يعود الى الدار و يتجه الى الدور الثاني الى مكتب عتيق طالما رافقه من الابتدائية حتى الثانوية امسك بدفتر كان قد اتخذه كيومياته وكتب
12 ديسمبر 2020
هذه اخر صفحة اكتبها هنا
كنت اكتب لكي اشعر اني حي والان انا اشعر اني حي بدون الحاجة الى هذه الكتابة انا ارعى الارض الان الارض التي عاش ابي كله لها لم يكن لديه غير الارض وانا لم يهتم الا بالارض وانا اذا مت ستذهب الارض وسأذهب انا هل مكافأته ان اقضي على الاشياء التي احبها؟
هل اقابل موت مصطفى بموتي ؟
مصطفى مات بسببي ان مت انا ايضا افلم يمت هكذا هبائا؟
هل من العدل ان اقابل كل من ولوني الاهتمام بهذا الجحود انا اسف يا ابي انا اسف يا مصطفى
ظننت ان موت ابي كان هو كل ما احتجته لكي اموت لكني الان ادرك ان موته كان سببا في حياتي 
ارشدني وهو حي و ارشدني وهو ميت 
لا بأس من فرصة اخرى لا بأس من بعض الامل مرة بعد
                                          





TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *