عند النظر للسماء للوهلة الأولى تخال وكأنها ستمطر في أية لحظة نظراً للغيوم التي تحتلها والتي حالت دون وصول أشعة الشمس الدافئة كي تداعب سطح الأرض.
كنت اقف على بعد مسافة ليست بالقريبة ولا بالبعيدة حين صفت سيارتها الرولز ريس السوداء اللامعة على الرغم من انعدام وجود ما يجعلها لامعة من ضوء على جانب الطريق وعلى بعد خطوات من أحد المقاهي ذات الصيت في شيكاغو، ترجلت من السيارة وتوقفت برهة واضعة يديها في جيب معطفها الجوخ الطويل بني اللون الذي ينسدل عليه شعرها الذهبي الذي كان يلمع دون داعٍ مثل سيارتها، وبعد أن عزَمتْ على عبور الطريق ترددتْ وتقهقرتْ إلى حيث كانت تقف في توتر، حاولتْ عدة مرات متتالية عبور الطريق لكن لا جدوى فسرعان ما كانت تعود أدراجها مهرولة بعدما كانت قد تقدمت بضع خطوات قليلة.
كنت أراقبها عن كثب لأعلم أنها تهاب عبور الطريق على الرغم من عدم ازدحامه، لكن في تلك المرة اقتربتُ منها في خجل وتوجس وعرضت عليها المساعدة فأجابت بعينها أن (شكرا لك)
سرتُ وهي بجواري، عرضت عليها أن نتناول القهوة سويا فلم تمانع، اخبرتها أني أشعر بأنها حزينة فسألتني كيف علمت ذلك، أخبرتها بحياء أن لعينيها البنيتين القدرة على البوح بكل ما تكنه من مشاعر مختلطة يمكن لشخص مثلي أن يشعر بها ويتفهمها، تعجبت لإجابتي لكن ذلك التعجب زال عندما أخبرتها أني فنان، رسام ولكي أعبرعن ما يدور بخاطري انفذ إلى كل ما هو متاح لي وكانت أعينها متاحة.
شعرتْ بالخجل من مما قولتُ فعرضتُ عليها أن تزورني في مرسمي لتلقي نظرة على ما أقوم به من عبث في نظري لا يتخطى كونه مداد على قطع قماش يجعلها الزمن بالية بمروره عليها وما نراه في تلك اللوحات ما هو إلا انعكاس لما تحويه النفس البشرية من تشوهات قد أُلحقت بها لما مرت به من صعاب.
شعرت بأن كلماتي كان لها الوقع المحبب إلى نفسها فلم تتمالك رباط جأشها وقالت في عجالة :
_فلنذهب إلى مرسمك، كم طقت إليك؟!
لم يكن ردي عليها سوي ابتسامة حانية جعلتها سعيدة مطمئنة، هممنا بعدها بالخروج من المقهى وتوجهت هي إلى سيارتها لنذهب بها إلى بيتي لكني رفضت ذلك قائلا:
_ إذا أردتِ الذهاب إلى مرسمي عليكِ التجرد مما تملكين الآن حتى تستطيعي رؤية ما تريدين.
وافقتْ مبتسمة بإيماءة مؤكدة بها على كلماتي.
كانت الطريق طويلة لكنها لم تتذمر بل ظلت تقص عليَّ ما تعانيه في يومها بداية من الاستيقاظ حتى الذهاب للنوم وكم أن ما تواجهه من صعاب يؤرق نومها، قالت مختتمة حديثها الذي طال:
_ لقد سئمت الاختيار من متعدد أود فقط أن يُفرض عليَّ شيء بعينه أريد أن أتذوق شعور أن ذلك فقط هو المتاح وأن ليس كل شيء مجاب...
بعدها صمتت قليلا وقالت لي وهي تنظر في عيني:
_ لقد أحببت خصلات شعرك البني وهي منسدلة على عينيك الواسعتين تبدو أصغر بكثر من عمرك الفعلي.
وصلنا المرسم وراحت تتفقد ما فيه من لوحات تجريدية أراها أنا صماء بكماء و جعلت تثني على بها وكم أن لدي حس مرهف كنت في تلك الحين أقف خلفها مباشرة وددت أن اسألها ماذا تحب أن تتناول فأجابت أنها تحب تناول اللحوم حينما تكون سعيدة للغاية وراحت تتحدث وهي ناظرة للوحة عن حبها للحم واستمتاعها به فأجبتُ بابتسامة :
_ حالا يكن جاهزا.
ورفعت معولي واطحت برأسها بعيدا عن جسدها الذي تهاوي والدماء تتدفق منه كنهر جاري ( أه كم أحب ذلك المنظر الشهي) وقولت في حنق :
_كفاكِ كلاما أيتها الساقطة، لقد أردت الحصول على وجبة جيدة وحسب...
حضرت الطاولة وجلست أتناول وجبتي في سعادة بعد عناء الحصول عليها وسماع كل تلك الكلمات التافهة، لكن سرعان ما خاب أملي بعدما تذوقت أول قطعة من لحم ساقها التي أعجبتني حينما نزعت معطفها ، شعرت أن لمذاق لحمها نفس الطعم الممزوج بالتفاهات والسذاجة لحم مُرفه لم يعرف للشقاء يوما لون و كيف ذلك وهي ابنة مدللة تافهة لا تفعل شيء سوى التسوق ومطالعة أخبار الموضة وما إلى ذلك... حقا لقد أثارت غضبي.
روحت اتذكر جاكلين تلك الأمريكية ذات الأصل الأفريقي وطعمها اللذيذ فكان مذاق لحمها أجمل مذاق شعرت به من بين الست وثلاثين امرأة التهمتهم وكيف لا وهي كانت عاملة لا تكل ولا تمل من العمل لجني المال مما جعل لحمها يكتسب لذة لا اخالني قد أجدها مجددا لكني سأحرص على الحصول على طعم رائع الصيد القادم.....
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق