كتبت : إسراء بسيوني.
"ما يُخفيه الإبداع"
يُقال أن الإبداع وُلِدَ من رحم المعاناه ، و قد صدق من قال فثمه نار تستعر بداخلنا تخرج مُزيَّنه فى هيئهٍ إبداعيه لا يُدرك حقيقتها سوى ذاك الذى لُدِغ منها ، ظننتُ أنَّ التعبير عن المشاعر و إخراج ما بداخلنا للعلن يخفف من وطأه الألم و معه تهدأ المعاناه إلا أنْ تتلاشى أو نتصالح معها ، و لكن ما بالُ أصحاب الإبداع لا يهدأ ضجيجهم ولا يكلُّ ألمهم رغم أن ما يفعلونه هو من صميم الألم و التجربه المريره ، كل تلك تساؤلات دوماً ما يضج بها عقلى و أظن أننى إهتديتُ إلى تفسيرٍ لا بأس به . إنَّ المبدعين دوماً ما يُظهِرون أوجاعهم فى هيئه فنيه، رسم ، تصوير ، كتابه ، غناء ، موسيقى و إلى آخره من أنماط الفنون التى لا حصر لها ، و لكنهم فى الوقت ذاته يتألمون ، دائما ما يتألمون ، و كأنهم حين يعبرون عن مشاعرهم فى هيئه إبداعيه فهم فى الوقت ذاته ينكرونها و لا يعلمون كيف يتعاملون معها كحال حضري جائع تائه فى الصحراء يسمع دبيب الغزلان حوله و لا طريق للحمها ، يُجمِّلون آلامهم فتأخذ هيئه أخرى و تتنكر و كأنهم يرفضون حقيقتها فكيف لهم أن يُشفوْنَ من مرضٍ ينكرون حتى وجوده ، إنهم يُخرجون أوجاعهم على لسان غيرهم محاولين إصلاح الأمور أو تغيير المسار كأنهم يقولون لأنفسهم أنه لست أنا من وقع ضحيه ذلك الألم، لستُ أنا و لن أسمح ، ككاتبٍ يُحمِّل بطل روايتهُ أعباء معاناته هو و يجعله يتخطاها ظناً منه أنه هو من فعل ذلك فيرتاح لوهله و ما تلبث الأحزان تراوده تِباعا، الواقع لا يرحم أحداً .
حكى أحد المغنيين أن بدايته مع الإبداع بدأت مع نهايه قصه حب فشل فى إكمالها فأخذ يكتب كلمات أغانيه بنفسه حيث تتسلسل من مخزن أوجاعه الدفين و كأنه فى كل أغنيه ينشدها فهو يناجي محبوبتهِ تاره و يعاتبها تاره أخرى و مع انتهاء الأغنيه يبدأ لحن حزين فى الارتفاع ليرجوها كى تعود لإكمال ما نقص بداخله بفراقها ، يتمنى لو تعود لسد الشرخ الكامن فى قلبه و غلق الباب الذى مازال مفتوحاً و اسمها منقوش عليه بالدماء ، و قد تحتد كلماته بعض الأحيان و تختفى ابتسامته ظناً منه أنه هكذا يعاقبها ، فى كل كلمه يكتبها أو ينطقها لحن خاص تعزفه أوتار حزنه بهدوء مُحطَّم .
كذا حال الرسَّام الذى يبحث فى وجه كل امرأهٍ يرسمها عن وجه حبيبته و ملكه قلبه ، الرسَّام الذى إذ طلبت منه إحداهن أن يرسمها، رسمها واضعاً إحدى ملامح حبيبته خِفيهً و اختلاساً ضمن قسماتها، و كأنه بعد أن اختفت حبيبته ودَّ لو يراها فى كل نساء العالمين .
الخطَّاط الذى مُزِّقت أوراقه مِراراً لسوء خطه و عدم تنظيمه و دُعيَ بالفاشل ، تجده يخط على الحجاره و على الحوائط و فى كل مكان و كأنه يقول للعالم أستطيع فعل أى شئ و لستُ فاشلاً .
أغلب نجاحاتنا ما هى إلا محاوله لجعل آخرين يندمون على كلمه ألقوها فى نفوسنا يوماً و ما غادرتنا ، لا شك أنهم مذنبون و لكنك أشد ذنبا منهم لأنك تُكرس جهودك فى التفكير بهم و هم لا يستحقون ، اصنع نجاحاتك لنفسك لا لتثبت لأحدهم خطأ نظرته فيك ذات مره ، اجعلهم يُدركون خطأهم بينما أنت تستمتع لا وأنت تحارب دموعك يومياً لدفع مراره كلماتِهم ، لا تجعل شئ يتمكن منك ، كن أنت و لا تسمح لكلمه أن تشكلك و تحدد مسارك . فلينبعُ الإبداعُ من حبنا لا من رغبتنا فى الإنتقام .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق