كتبت : ندي العُمْر.
لماذا نتألم ؟
الألم هو تلك المشاعر المزدحمة في وجداننا ، والمتصارعة في عقولنا ، بين الأمنيات والأحلام والرغبات ، وبين الحقائق والأقدار والواقع ، بين الرغبة في فهم القدر والحياة والحكمة والغاية ...
لماذا الألم ؟؟ لماذا نتألم ؟؟ لماذا خلقنا نشعر بالألم ؟
لماذا كانت تلك الطريقة التي نتعلم منها ؟
ألم تكن هناك سبيل أخر كي نتعلم وندرك ونستبصر ؟
تلك التساؤلات والخواطر تأتينا بين لحظة وأخرى ، ومهما كانت درجة إيمانك وقبولك وتسليمك ، فلن يرضخ عقلك للتسليم .
تلك الحقيقه تخبرنا أن هناك جزء آخر منها مستتر ، وربما نخفيه قصدا ، ونظهره في درجات من الارتقاء الروحي و السمو الوجداني والمصارحة .
وقد نتوصل إلى أن الحكمة من الألم يُعد أمرا ذاتيا أي من خلال الشخص نفسه ، فهو وحده من يستطيع ادراك الحكمة أو تلمس المغزى و الاتجاه إلى التزكية والارتقاء .
و حقيقة أخرى ؛ إن للألم تأثير وشفاء للروح والنفس قد لا يحدثه علم أو تحققه معرفة مجردة من التجربة .
أغلبنا يعلم أن الرضا واجب على اطلاقه ، ولكن في الحقيقة إن الرضا بالأقدار هو الواجب ، لكن بما أحدثته تلك الأقدار من آلام أو تأثيرات فهو مستحب ، ولذلك أُمرنا بالصبر ولم نؤمر بالرضا ، فلا يوجد تعارض بين حق النفس في الألم وبين الارتقاء الروحي في الرضا .
فعمل القلب الرضا إن استطعنا ، والصبر إن عجزنا ، وعمل الجوارح هو التغيير لو كان مطلوبا ، فمراد الله منك متغير مع كل ألم ، ليكون الألم بابا لمعرفة الطريق والطريقة .
سيظل الألم رغم قسوته سخيا بالعطايا ، سيبقى رغم مرارته ترياقا يظهر حلاوة نفوسنا ، لنخلع ثوب التظاهر الزائف وتتلاشي مظاهر الرياء ، ويغيب طلب المدح من الناس في حضوره .
ما أعظم الألم حين يقترن بالمعرفة ليزكي النفوس ويعيدنا إلى بشريتنا المحدودة وما أروعه حين يطهرنا لنظهر بلا خداع .
وما أصعبه حين يأخذنا قهرا من التعلق بعد أن جربنا كل الحلول ، فينبهنا أنه قد آن الأوان لنفسح المجال للروح لتتنفس وتعبر وتتصل وتأخذ المساحة التي سلبتها المادية .
سيبقي رغم مرارته دافعا قويا كي نتغير ونتحرر ، ستبقي عطاياه علامات فارقه في حياتنا ، وندبات لا تزول لنعيد رسم الطريق ، وسيبقي حضوره رغم المعاناة شفاء للكثير من شرور النفس وأمراضها .
في بعض الأمور لا يسعنا الوعي للادراك السريع للأمور ، فيأتي الألم ليجعلنا أكثر انتباها وأكثر استعدادا .
إننا ننعم بأعظم عطايا الألم عندما نتجرد ونعترف بضعف بشريتنا ونلجأ إلى الله .
فاللألم دائما هبات مؤجلة ، وتختلف ردود أفعالنا في استقبال الألم ، فمنا المستبشر الموقن بظنه بالله في أن للألم عطايا ومنح وحكمة ، فيعيش الألم دون أن يسكنه وينال الأجر ويتعلم الدرس ، ومنا المستغرق الذي لا يرى له مستقبلا فتغيب عنه الحكمة ، وربما ضاع الوقت دون أن ينال الأجر .
ونحن بينهما درجات علي مقياس الألم ، طرفه الأيمن الرضا والقبول والأمل وتوقع الخير ، وطرفه الآخر السخط والرفض وتوقع الشر .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق