-->

على ذمة التحقيق - يمنى أسامة


تقدم حُسام بخطوات ثابتة على تلك السجادة الحمراء المفروشة بطول الممر ، مُمسكا ملفا بيديه حتى وصل أخيرًا إلى مقصدهِ في تلك اللحظة التي خرج بها رجلا حاملا كوبًا فارغًا من القهوة بيد مرتعشة من الغُرفة المُغلق بابُها قائلا - صباح الخير يا سعادة البيه طرق حُسام على الباب ثم دخل الغرفة دون أن يعبأ بالرد عليه في الوقت الذي غادر فيه العامل سابا إياه في سره - صباح الخير يا فندم - أهلا يا حُسام ، قولي عملت إيه ؟ تقدم قليلا بالقرب من المكتب واضعًا ما يُمسكه بيده عليه . - اتفضل يا فندم كل التحريات اللي اتعملت خلال الفترة اللي فاتت أهي . تفحص عز الدين بطريقة عشوائية الملف الموضوع أمامه قائلا وهو منهمكا بعض الشئ : عظيم ، المجني عليه كان حاطط كاميرا مراقبة في أوضة النوم ! - مظبوط ، الغريب في الموضوع يا فندم إنه حاطط زيها في الحمام الرئيسي وحمام أوضة النوم وللأسف مفيش أي دليل أن زوجته هي القاتله بل بالعكس كل تسجيلات الكاميرات المحطوطة بتوضح علاقتهم القوية ببعض ! رفع عز الدين نظره من الملف ساندًا ظهره على المقعد المتحرك ، مثبتًا نظره في الفراغ في اللحظة التي أمسك بها قلمًا محركًا إياه بصورة عشوائية . - بس أنا متأكد أن مراته مخبية حاجة *** على قطعة قُماش بالية من المفترض أنها توفر الراحة أثناء الجلوس على الأرض الغير مستوية كما يزعمون ؛ تجلس ناكسة رأسها بين ذراعيها المسنودة على قدميها، الأصوات تُحيطُها من كل جانب ، حديث النساء الغير منتهي ، وسرد كل منهُما قصتها للأخرى ، علاوة على ذلك أصوات الأبواب الحديدية التي تُفتح إما لتُشاركهن زميلة جديدة أو لخروج إحداهن للتحقيق معها ورجوعها مرة أخرى تجُر ورائها خيبتها أو لتعطُّف السجّان عليهن وإعطائهن بعض من الطعام البائت ، أربع جدران من حولِها تحولت ألوانها إلى اللون القاتم مع وجود منفذ صغير على شكل المربع  تقريبا أعلى إحدى الجدران ، بالطبع فهو يكفي لسماح الهواء بالدخول والخروج فقط . تذكرت كيف كانت حياتُها منذ خمس سنوات ، فتاة في مقتبل عمرها ، تعيش مع والدها فقط بعد انتقال والدتها لدار الحق ، ومنذ ذلك الوقت وهو يقوم بدور الأب والأم معا ؛ يستيقظ قبل الفجر بوقت كاف ذاهبا للجامع قائما بالناس للصلاة ثم يعود مرة أخرى لتناول الافطار معها  ثم الذهاب لجامعتها. - بابا ، يا حج إنت فين ؟ قالتها باحثة عنه في أرجاء المنزل - أنا هنا يا زهرة تعالي يا حبيبتي . دخلت زهرة مُسرعة للغرفة الصادر منها الصوت ثم أقبلت عليه مُقّبلة رأسه ، تُخبئ شئ ما خلف ظهرها . - إيه اللي مخبياه ورا ضهرك ده ؟ رفعت زهرة أمام عينيه ورقة من الورق المقوى ، استطاع هو أن يقرأ ما خط بمنتصفها بخط عريض شهادة تقدير للطالبة : زهرة محمد عبد المُتجلي لإتمامها القرأن الكريم حفظا وتدبرا ( سائلين المولى عز وجل أن يُثبتها ويتقبل منها ) *** فاقت من شرودها على صوته صارخا - زوزه ، زوزه فين هبت واقفة من مكانها حتى يستطيع رؤيتها قائلة بضعف - أيوا - فزي يختي الباشا عايزك قالها مثبتا نظره على مفاتنها . *** دخل الغُرفة مُمسكا بها ثم دفعها أمام المكتب رافعًا يديه بجانب رأسه مُقدما التحية في اللحظة التي قال بها - ادخلي يختي نظر له حسام مُمثلا العصبية أمامها قائلا : - إياك يا غبي تجيبها بالطريقة دي تاني ، غور من وشي . خرج مسرعا متجنبا ذلك الظابط الجديد مُحدثا نفسه  (شكل المُزة عجباه هو كمان)  ثم ضحك ضحكات متقطعة وذهب يُتابع عمله . - اتفضلي يا مدام زوزه ثم نظر لها بنصف عين مسترسلا حديثه -  ولا تحبي أقولك يا مدام زهرة ؟ تقدمت زوزه كما أصبح اسمها منذ خمس سنوات ماضية ، تلك السنوات التي غيرت حياتها رأسا على عقب ؛ ثم خطت عدة خطوات ببطئ والتفتت نصف التفاته على يمينه مُلاحِظة أن الرجل الذي تراه مُمسكا دفترا وقلمًا دائما في هذا المكان غير موجود اليوم على غير عادته ؛ لاحظ هو نظرتها ثم تنهد مشيرا إلى المقعد الفارغ الذي تنظر إليه قائلا: -  مُسعد اديتله أجازة النهاردة ، اقعدي يا زوزه . جلست بترقب مُحركة قدميها لأعلى وأسفل مُلاحظًا هو توترها ثم تساءل : - قوليلي يا زوزه ، مش غريبة بردو أن الراجل يكون حاطط لمراته كاميرات مراقبة في الحمام وأوضة النوم ؟ ده طبعا لو افترضنا إن الورقة العُرفي اللي لقيناها حقيقية ثم غمز لها مسترسلا : - بس شكله كان كييّف نظرت زوزه لأسفل بضع دقائق تاركة العنان لدموعها ثم قالت بوهن ظهر على صوتها : - أنا معرفش اللي بتقول عليه ده . نظر لها مثبتا بصره عليها صارخا - وليه متقوليش إنك عرفتي أنه بيصورك وإنتي نايمة معاه ، روحتي قتلتيه ؟ - هقتل جوزي !! قالتها مستنكرة عليه ثم رفع هو حاجبه ساخرا : - م هو الله يرحمه كان بيصوّر مراته وهي لامؤاخذه يعني قالت بعصبية : - أنا معرفش حاجة غير اللي قولتها قبل كده ، كان راجع من برة تعبان ومعدته وجعاه وبعدين دخل يريح شوية روحت أعمله حاجة سخنة يشربها رجعت لقيت بوقه بينزل سائل شكله غريب . تقطّع صوتها حين تذكرت تلك الحادث وأكملت بدموع - خوفت عليه أوي وقتها وطلبت الاسعاف بس كان مات قبل ما يوصلوا . ثم وجّهت نظرها إليه متحدية، ماسحة دموعها بطرف كفها . - وبعدين يا حضرة الظابط ، سيادتك لسه قايل أنه فيه كاميرات في أوضة النوم ، لو كنت شوفت المعروض عليها أكيد كنت هتشوف أن كلامي مظبوط . ثم غمزت له قائلة : - ولا سيادتك متفرجتش غير على اللي يملا مزاجك ثم استرسلت قائلة : -  وبعدين أنا بقالي ١٠ أيام هنا على ذمة التحقيق ، لو في دليل واحد بس يديني كان زماني اتحولت للنيابة بس ملحوقة قصّرت طوّلت اغنا هطلع يا باشا لأني مظلومة . ثم هبت واقفة منتظرة ردة فعله على حديثها،  نظر لها الآخر ضاغطا على أسنانه ، قابضا يديه كأنه في وضع الاستعداد لرد ضربة المُلاكمة ثم نادى أخيرا على الشويش ليُعيدها للسجن مجددا **** خرجت زوزة من السجن واستنشقت اغخيرا هواء غير هواء القبور ، ركبت السيارة مع صديقتها التي كانت تنتظرها خارج بوابة السجن الرئيسي بعد أن أتصلت بها خلسة من هاتف الحارس الواقف أمام باب الغرفة التي قضت بها خمسة وعشرون يوما وهي على ذمة التحقيق  فهي كانت تعلم مفاتيحه جيدا . ابتسمت بفخر حين تذكرت حديثها مع ذلك الضابط الذي كان يتعمد دائما إهانتُها في اللحظة التي تحدثت صديقتها إليها بسعادة، حامدة الله على إظهار برائتها فهي تعلم جيدا كيف كانت تعشق زوجها . **** دخلت زوزه مع صديقتها منزلها التي اعتادت أن تجده على تلك الحالة ، ملابس نوم ملقاة على الأرض ، زجاجات الخمر الموضوعة بطريقة عشوائية على لوح زجاجي ؛ واضح أن أحدهم قضى ليلة ( حمراء ) معها كالعادة ، هكذا جال بخاطرها . -   ادخلي يا زوزه  ، هو إنتي أول مرة تجيني ولا ايه ! قالتها ضاحكة ، ثم ابتسمت زوزه ابتسامة ذات معنى -   مش بتضيعي وقت انتي . ضحكت صافي ضحكتها التي تجذب بها الرجال قائلة في اللحظة التي هزت كتفها : -  ألا قوليلي هترجعي الشغل امتى ولا تكوني ناوية تاخدى فترة حداد على جوزك وتقريله جزء قرأن ؟ ثم ضحكت بخبث مسترسلة -        ونشوف الرقاصة زوزه وهي لابسة العباية السودة وبتبكي على الأطلال توقفت عن الحديث بعد نظرة زوزه النارية على كلامِها ، فهي تعلم جيدا أنها كانت تحبه ولكن تعلم أيضا من هي زوزه ، وكيف لا تبالى إلا بنفسها فقط . - صافي ، ياريت نتكلم بعدين أنا تعبانه وعايزة أنام . دخلت زوزه الغرفة بمفردها فهي تعلم المكان جيدا فقد اعتادت أن تأتى لها كثيرا في الماضي حين تريد مُعاقبة زوجها بفراقها ، اغغلقت الباب بملل ثم وقفت أمام المرآه متفحصة نفسها ، لقد فقدت وزنها كثيرا من ذي قبل وتشعث شعرها ورائحتها اغصبحت  كرائحة القبور. فأخذت حماما سريعا ثم ارتمت مستلقية على السرير وشريط الذكريات يأبى أن يتوقف عن الاسترسال أمام عينيها . فتذكرت لحظة اغتصابُها من (سيد) ميكانيكي الحارة ( كما كانت تسميه) التي كانت تقطن بها ، لقد طلب يدها مرارا أثناء دراستها لكنها كانت دائما تصده بالرفض غير عابئة بمشاعرهِ ، ورفض أباها أيضا دون سبب يُذكر من وجهة نظره ، كان يُضايقُها كثيرا أثناء سيرها لكنها كانت تخشى اغن تقول لوالدُها فيفعل به شئ فتخسر والدهِا للأبد ، استغل ذات يوم وقت رجوعها من عملها ليلا حيث عملت ممرضة في الوحدة الصحية  ،  كان يعلم مواعيدها من قبل فترقبها منتظرا الفرصة المناسبة له حتى أتت له على طبق من ذهب  ، حيث قطع عليها الطريق أثناء سيرها بمفردها في إحدى الحارات الضيقة واضعًا قطعة من القماش على فمها ثم فقدت وعيها ، ولا تتذكر ما حدث بعدها ، فقط ما تذكرته هو  استيقاظٌها وآثار الاعتداء عليها ووجوده بجوارها يحكي لها بوقاحة عن أسباب فعلته ، مُهددا إياها واضعًا أصابعه على شعرها المنسدل على ظهرها المتعري . -  بصي يا حلوة من الآخر كده أنا خدت اللي عايز آخده من زمان ، وكنت طالبك في الحلال بس انتي دوستي على النعمة ؛ لو حد عرف اللي حصل ده أنا هوزع صورك على المنطقة كلها . ثم اقترب من وجهها قائلا بفحيح يشبه الأفعى -  هو أنا مقولتلكيش ؟ مش أنا وثّقت اللحظة دي بفيديو عشان ده أهم يوم في حياتي يا قمر ثم استرسل بغل واضح : - وخلينا نشوف بقى رد فعل أبوكي عم الشيخ لما يشوف بنته في حضن ميكانيكي الحارة . تذكرت وقتها كسرة النفس التي مرت بها ورد فعل والدها عندما رآها بتلك الحالة بعد بحثه عنها من الليلة الماضية ، تذكرت إصابته بتلك الجلطة التي حرمتها منه للابد .   فاقت من شرودها إثر صوت صديقتها منادية ، طارقة باب الغرفه ، مسحت دموعها التي ذرفت بدون إرادتها حين تذكرت ما مرت به ثم فتحت الباب -  قولت أكيد جعانه فحضرتلك الأكل بدل أكل السجن اللي خلاكي شبه الخلة ده . قالتها صافي دخلت زوزه في صمت واتبعتها صافى جالسة على السرير متسائلة : -  هما افرجوا عنك إزاي يا زوزه ابتسمت نصف ابتسامة قائلة - عشان أنا مظلومة وعند تلك اللحظة ، ارتسم أمامُها ما حدث كأنها فعلته أمس ، رأت خطتها المتقنة في الانتقام ، الانتقام لشرفها الضائع ، الانتقام لوالدها الذي توفى قهرا على ابنته ، الانتقام من نفسها لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها ثم وأخيرا الانتقام من الميكانيكي سيد . تذكرت كيف ذهبت له بعد وفاة والدها بدموع حتى يحميها من الضياع ويبحث لها عن وظيفة معه ، وتذكرت كيف أقنعته أنها تحتمي به الآن ولم يبق لها في الدنيا غيره ، فهي تشعر معه بالأمان ، وتريد أن تبقى معه للأبد ، ثم تذكرت كيف مثلت عليه الحب وأنها ستخضع له في كل ما يريده ، ابتسمت حين تذكرت غباءه حين صدق حديثها وتقرٌبها منه وقت ضعفها، وكيف كان تأثير جسدها عليه دون مجهود ؛ فأخذها إلى عمله المخفى فهي كانت تعلم بالتأكيد أنه يعمل عملا مشبوها مستعملا ورشة الميكانيكا حتى لا تتسلط العيون عليه ، أخذها إلى (الكباريه) الذي كان يعمل به وجلب لها الكثير من الملابس المثيرة حتى ترضى نفوس الجماهير ولكنه كان يعترض على ذهابها مع أحدهم لقضاء ليلة ( حمراء) مهما كان المقابل المادي المعروض ، كان يقول لها دائما أنها ملكه فقط وتزوجها عرفيا على زوجته الأولى فعلمت حينها تأثيرها عليه، وحاولت استغلال هذا ؛ مع مرور الوقت توطدت العلاقه بينهما وأصبحا حبيبان أو كما هُيئ له ؛  فهي لم تنسى يوما ما فعله بها ولا تطيقه هو ولا رائحته  ، علمت بالصدفة انه يضع كاميرات في غرفة النوم والحمام  تذكرت حينها ما قاله لها وقت اغتصابها . (هو انا مقولتكيش؟ مش انا وثقت اللحظة دي بفيديو عشان ده اهم يوم في حياتي يا قمر ). ضحكت قليلا على غباءه وتركته يفعل ما يروق له ثم خططت وجلبت سُما مفعوله يسير ببطئ واضعة إياه في كوب عصير وبالطبع أخفته عن الكاميرات . ثم تذكرت بُكائها وانهيارها على زوجها وحبيب عمرها أثناء التحقيق ، فقد أتقنت التمثيل حينها . - طيب فوقي كده يا نجمة مصر عشان جمهورك مستنيكي بفارغ الصبر فاقت زوزه على تلك الجملة من صديقتها التي لقبتها بالحمقاء هي الأخرى ، ثم اخذت تضحك بجنون كمن فقد عقله ! ****  
TAG

عن الكاتب :

هناك 4 تعليقات

  1. عظمة هتبقي اشطر كاتبة ف الدنيا بإذن الله 💙

    ردحذف
  2. عظمة يصحبي..🤎🤎🤎🤎🤎
    ربناا يزيدگ ي رب..🤎🤎🤎🤎🤎🤎👩‍❤️‍👩

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *